العدد 1509 /20-4-2022

في السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة انتصر المسلمون بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم على مشركي مكة في غزوة بدر الكبرى، التي كانت فرقاناً بين الحق والباطل، وآية أن النصر من عند الله وحده.

لو قيست غزوة بدر بالمعارك الطاحنة التي امتلأت بها صفحات التاريخ فإنها لن تتعدى أن تكون معركة صغيرة بين طائفتين قليلتين في العدد والعدة، سواء من جهة المسلمين، الذين لم يتجاوز عددهم 313 مقاتلاً، أو من المشركين، الذين لم يصلوا إلى ألف مقاتل. أما إذا اعتبرنا أهمية المعارك بنتائجها فإن غزوة بدر ستتصدر أهم معارك التاريخ قاطبة، من ناحية أنها غيرت مجرى التاريخ..

وقد كان هذا فحوى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الموقعة حين قال: «اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض». فكانت غزوة بدر رفعة للإسلام وأهله وركيزة من ركائز انطلاق دعوة الإسلام، ولا مبالغة إن قلنا إن غزوة بدر أعطت شهادة الميلاد الحقيقي لدولة الإسلام بقيادة الرسول الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام.

لقد قامت على كواهل أهل بدر من الصحابة الكرام مهمة بناء صرح هذا الدين، ولذلك نرى في التراجم أن حضور هذه الغزوة يعد شهادة عظيمة يؤرخ له ويحكم من خلاله لصاحبه بالفضل الزائد والشرف الرفيع، فتراهم في تراجمهم يقولون:

وقد شهد بدراً، وهذا ساطع الوضوح في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في حق حاطب بن أبي بلتعة حين بعث برسالة إلى قريش يخبرهم فيها بخروج الرسول إلى مكة فاتحاً، حيث قال له: «إنّه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أن يكون اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».

ليس أحد إلا ويعرف تفاصيل هذه الغزوة من ناحية السرد التاريخي، ولكن نقف عند مشاهد مهمة نسلط الضوء من خلالها على بعض الدلالات الرائعة المستقاة من معين هذه الموقعة الفاصلة.

القائد الحقيقي

عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: كنا يوم بدر، كل ثلاثة على بعير، فكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله، قال: فكان إذا جاءت عُقْبَة رسول الله قالا: نحن نمشي عنك. فقال: «ما أنتما بأقوى مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما».

إن القيادة في ميزان الرسول صلى الله عليه وسلم ليست ميزة يتميز بها على أصحابه، بل هي مسؤولية وإيثار وتضحية في سبيل من يقوم على شؤونه، لذا تراه يقتحم الصعاب بنفسه، ويشارك أصحابه فيها، ليكون قدوة طيبة أخلاقية لجنوده في المنشط والمكره، فما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيب نفسه بتلذذ صنوف النعيم الدنيوي وجنوده يكابدون الحر والقرّ.

الوفاء بالعهد

قال حذيفة بن اليمان: ما منعنا أن نشهد بدراً إلا أني وأبي أقبلنا نريد رسول الله، فأخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمداً. فقلنا: ما نريده إنما نريد المدينة. فأخذوا علينا عهد الله وميثاقه لتصيرن إلى المدينة ولا تقاتلوا مع محمد، فلما جاوزناهم أتينا رسول الله فذكرنا له ما قالوا وما قلنا لهم. فقال: «نستعين الله عليهم ونفي بعهدهم» (المستدرك: 4896).

هذا هو لب دراسة السيرة النبوية، التي تعد بحد ذاتها مدرسة، بل دستوراً تمشي عليه الإنسانية لتحفظ مكانتها وفضلها على باقي المخلوقات، لم يرض النبي أن ينقض حذيفة عهده حتى مع أعدائه الذين اصطفوا لقتاله، وهذا ما نرى فيه الصورة المشرقة للقيادة الإسلامية التي تحترم العهود والعقود، حتى وإن أخذها المشركون على ضعفاء المسلمين، برغم ما خالط هذا العقد من شبه الإكراه.

إكرام الأسرى

قال أبو عزيز بن عمير، أخو مصعب، وكان من جملة الأسرى يوم بدر، "كنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قَدّمُوا غداءهم وعشاءهم خَصّونِي بالخبز وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله إيّاهُمْ بِنَا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نَفَحَنِي بِهَا.

فَأَسْتَحْيِي فَأَرُدّهَا على أحدهم، فَيَرُدّهَا عَلَيَّ ما يَمَسّهَا. (سيرة ابن هشام). كان لهذا الخُلق الرفيع في معاملة الأسرى عظيم الأثر في نفوسهم، وهو ما دفعهم إلى الإسلام ليصبحوا يده التي يضرب بها بعد أن كانوا يبارزونه العداء والحرب، فأسلم أبو عزيز عقب معركة بدر. وصدق فيهم قول الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8].