العدد 1538 /23-11-2022

للحظةٍ، قد يفكر المرء ماذا لو كان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، رئيساً لروسيا؟ رافق حضورَه قمة العشرين في بالي الإندونيسية، يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، ضجيجٌ متعدّد المسارات. من الخبر عن دخوله المستشفى إلى نفيه، ومن ظهوره بثياب رياضية على فيديو انتشر سريعاً إلى حضوره عشاء أقامه الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو بأزياء من تراث البلد المضيف. اللون الأزرق كان طاغياً في زيّ لافروف، في الجلسة المسترخية وفي العشاء. يُقال في علم النفس إن محبّي هذا اللون "متحمسون وصادقون وعاطفيون ومتواصلون ولديهم خيال خصب"، و"يظهرون الاهتمام الدائم بمشاعر الآخرين"، و"يرغبون في أن يُشعرهم الآخرون بالطمأنينة ومعرفة قيمتهم الذاتية".

ربما يحسّ لافروف أنه كان يستحقّ شيئاً أكبر من كونه سيد دبلوماسية موسكو، فقد مكث في العالم الغربي عشر سنوات بين عامي 1994 و2004 بصفته سفير روسيا إلى الأمم المتحدة. وترأس مجلس الأمن سبع مرات. كل شيء في الرجل يوحي بتحرّره، من تأديته عروضاً مسرحية في أيام الجامعة، إلى عشقه كرة القدم ونادي سبارتاك موسكو. أما توزيعه الابتسامات والضحكات في الاجتماعات مع المسؤولين الغربيين، التي لم تكن يوماً من العادات السوفييتية ثم الروسية، واغتنامه الفرصة بين استراحةٍ وأخرى في مجلس الأمن للتدخين، فتظهر شخصاً أقرب إلى إخراج ذاته من محيط أوسع مداراً مما يهدف إليه.

ولم يتأثّر وحده بهذا النوع من السلوك، فابنته الوحيدة، إيكاترينا لافروفا، اعتمدت نمط حياة غربياً، تنقلت بموجبه بين الولايات المتحدة وبريطانيا، حتى إنها تملّكت شقة في كينسينغتون - لندن، ولم تكن تجيد التحدّث باللغة الروسية. قد يكون الأمر متأصّلاً في العائلة المتنوعة، نسبة لتحدّر لافروف من أب أرميني كان يقطن في جورجيا، ومن أم روسية، غير أن ارتباطه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، زاد من انغماسه في القومية الروسية. وبات يتكلم في السنوات الأخيرة، انطلاقاً من انتقادات روسيا أوكرانيا بسبب محاربتها اللغة الروسية، عن القوميات الروسية في دول الجوار الروسي.

تبدّل من رجل كان يدير جلسات مجلس الأمن، بما يضم من دول متعدّدة الأعراق والثقافات، إلى رجل يحلم بعالم روسي خاص به. قد لا تكون هذه طبيعة الرجل، وقد يكون فعلاً خائب الأمل، تحديداً حين شاهد ارتقاء دميتري ميدفيديف في ثنايا الكرملين إلى الرئاسة بين عامي 2008 و2012، في فترة انتقالية دستورية، بين عهود بوتين. وقد يكون قام بحساباته، كعاشق للفيزياء، بأن لا مكان للخروج عن طاعة سيد الكرملين، وإلا فإن سمّ نوفيتشوك قد يَلِجَه في لحظة ما. لذلك، كان أكثر الأشخاص سعادةً حين فُرضت العقوبات الغربية عليه مع المسؤولين الروس بسبب غزو أوكرانيا. واختياره الانخراط أكثر في العالم البوتيني لا يعني شيئاً سوى انتظار دوره مثل ندّه، وشبيهه إلى حد ما، العراقي محمد سعيد الصحاف، ريثما تتبدّل الظروف ويخرج إلى فسحة أكثر راحة بالنسبة إليه.

يعلم لافروف أن في سنه الـ72 لن يكون رئيساً لروسيا في مرحلة ما، ولا حتى انتقالية. يتصرّف كلاعب كرة قدم مدفوع بواجب إنهاء الدقائق الـ90 من المباراة، معتبراً أنه، في نهاية المطاف، ليس سوى جزء من كومبارس، لا صانع ألعاب. دوره الوظيفي لا يمنحه حرية تحرّك، وإن مثّل بوتين في إندونيسيا. ولافروف، مهما فعل، في إمكانه، في سانحةٍ ما، أن يجد نفسه في سنترال بارك في نيويورك يدخّن سجائره وحفيداه يلهوان أمامه، بينما يكون بوتين ورجاله القوميون في مستنقع على المقلب الآخر من الكوكب. هل يفعلها لافروف؟ كل شيءٍ في شخصيته لا يدلّ على ذلك، لكنه قادر على تحقيق المفاجأة، مثل هدف عكسي في اللحظات الأخيرة في مرمى فريقه، إذا تغلب على الطوق المخابراتي المحيط به. وحين يخرج سيرغي فلاديميروفيتش من الساحة الحمراء يتغيّر لون نهر الفولغا.