العدد 1509 /20-4-2022


بقلم: فاطمة غزالي

عانت الثلاثينية الأميركية من أصول أفريقية كيانا كول، من تجربة مريرة مع التمييز العنصري خلال دراستها في المرحلتين المتوسطة والثانوية، إذ تعرضت لإساءات من زميلاتها بسبب لون بشرتها، والمؤسف، كما تقول أن "سلوك الزميلات لم يلاق أي عقاب من المعلمات في المدرسة".

وطاول التمييز العنصري غيل أنايا باندو (16 عاما) ابنة كول، إذ تعيش تجربة مماثلة في مدرستها بواشنطن، ما جعلها تعاني من عقدة بسبب اسمها المختلف والذي يعبر عن أصولها الأفريقية، لتصبح عرضة للسخرية حتى أنها حاولت تغيير اسمها تحاشيا لسخرية زملائها، لكن والدتها أقنعتها بأهمية أن تفخر بثقافة وجذور أسرتها وأن تكون إيجابية، كما تضيف لـ"العربي الجديد"، مستدركة :"هؤلاء لا يدركون مدى تأثير تلك الإساءات على نفسيات الطالبات اللواتي يتعرضن للتمييز".

وتقر الأكاديمية الأميركية أرمينتا هينتون، منسقة قسم الإدماج والانتماء والتنوع بكلية المجتمع HACC في ولاية بنسلفانيا، بتعرض الطلاب السود للتمييز خلال مراحل دراستهم، قائلة: "الطلاب وحتى الموظفون المختلفون يعاني بعضهم من أفعال قاسية وغير متسامحة، مرجعها الجهل والتعصب"، لكنها تؤكد لـ"العربي الجديد" أن مكتب الحقوق المدنية التابع لوزارة التعليم الأميركية، يعمل على معالجة قضايا التمييز في المدارس أو الكليات التي تتلقى مساعدة مالية فيدرالية، بهدف القضاء على العنصرية والمساواة بين مختلف المكونات، لكن مصادر التحقيق تنفي فعالية الأمر، وتحذر من ترسخ التمييز العنصري في مدارس أميركية.

توجد في أميركا 98469 مدرسة عامة، وفق بيانات المركز الوطني لإحصاء التعليم عن العام الدراسي 2017 /2018 ، وبلغت نسبة الطلاب الأميركيين السود بالمدارس الحكومية 15%، مقابل 47% من الأميركيين البيض، و27% من أصل لاتيني، و5% من الآسيويين، خلال العام الدراسي 2018 /2019 بحسب دراسة لمركز بيو للأبحاث منشورة في ديسمبر/كانون الأول 2021، بينما وقعت 5700 جريمة كراهية خلال عامي 2017 و2018، بحسب تقرير "مؤشرات الجريمة المدرسية والسلامة" الصادر عن وزارة التعليم وبرنامج العدالة التابع لوزارة العدل الأميركية في يوليو/ تموز 2020.

ويعاني السود واللاتينيون والملونون، والمسلمون والآسيويون من التمييز بشكل متكرر وفق توضيح الأكاديمية الأميركية جويس ديفيس، المديرة التنفيذية لمجلس الشؤون العالمية بمدينة هاريسبيرغ والتي تقول لـ"العربي الجديد"، يفاقم صمت بعض المعلمين والمعلمات عن سلوك الطلاب ممن يمارسون التمييز بحق زملائهم، من مشاعر الكراهية، وتسرد تجربة ابنها غادمين في مدرسة بولاية بنسلفانيا، قائلة لـ"العربي الجديد":" في الأيام الأولى من دراسة ابني وصلت إليه رسالة، مفادها (نحن نكره الزنوج واليهود) افترضوا من اسمه أن والده يهودي"، وتضيف: "المؤسف أن ابني سلم رسالة الكراهية هذه إلى مدير المدرسة لكن لم يتغير شيء".

وتشبه معاناة غادمين ما عايشه الطالب الأميركي من أصول سودانية أحمد عباس، في يناير/ كانون الثاني 2016 على يد معلمته بمدرسة حكومية في فيرفاكس بولاية فرجينيا بعد نقاش مع زميله الأميركي من أصل أفريقي في وقت الاستراحة الدراسية، إذ وجهت لهما المعلمة عبارات عنصرية على سبيل "ألا تلاحظان أنكما الوحيدان الملونان اللذان تسببان الإزعاج في الفصل"، وزادت قائلة :"الأفضل لكما كسود أن تكونا داعمين ومساعدين لبعضكما للخروج من الفقر بدلاً من النقاش والخلاف".

وبدلا من اتخاذ مديرة المدرسة موقفا يناهض التمييز، طلبت من عباس وزميله الاعتذار للمعلمة، بحسب روايته، قائلا لـ"العربي الجديد": "من أشكال التمييز على أساس اللون استخدام المعلمة للحرف N للإشارة إلى السود".

وتقر مساعدة المدعي العام كريستين كلارك والتي تعمل في قسم الحقوق المدنية بوزارة العدل الأميركية، بوجود التمييز في المدارس الأميركية، قائلة لـ"الموقع الرسمي لوزارة العدل"، إن المضايقات العنصرية المتفشية وغيرها من أشكال التمييز العنصري في المدارس العامة تنتهك الوعد الأساسي للدستور الواردة في بند الحماية المتساوية.

وتعرض الطلاب السود والآسيويون في منطقة مدارس يوتا للمضايقات العنصرية الشديدة، إذ كشفت تحقيقات قسم الحقوق المدنية بوزارة العدل عن الإخفاقات المستمرة في الرد على تقارير المضايقات القائمة على العرق والتي تورط فيها موظفو منطقة مدارس يوتا.

ووجدت مراجعة القسم، التي ركزت على الأعوام من 2015 وحتى 2020 المئات من الاستخدامات الموثقة للفظ N، من بين ألقاب عرقية أخرى، وتعليقات عنصرية مهينة، واعتداءات جسدية تستهدف طلاب المنطقة في عشرات المدارس، بحسب ما جاء على موقع وزارة العدل الأميركية في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وخلص القسم إلى أن الاستجابة غير الفعالة تركت الطلاب عرضة للمضايقات المستمرة لسنوات، وأن الطلاب يعتقدون أن المنطقة تغاضت عن هذا السلوك، كما وجد القسم أن مدرسة ديفيس قامت بتأديب الطلاب السود بقسوة أكبر من نظرائهم البيض لسلوك مماثل، كما حرمت الطلاب السود من القدرة على تكوين مجموعات طلابية مع دعم طلبات مماثلة من قبل طلاب آخرين.

ويمثل كل من الطلاب السود والآسيويين الأميركيين 1% تقريبًا من حوالي 73 ألف طالب مسجلين في المنطقة، وفق موقع وزارة العدل، الذي أشار إلى أن الوزارة توصلت إلى تسوية لوقف المضايقات العنصرية الشديدة.

تختلف جودة البيئة التعليمية وحجم تمويل المدارس في أميركا من مكان إلى آخر، كما توضح ديفيس، قائلة: "بصورة عامة إذا كنت تسكن في منطقة غنية فالمدارس جيدة، وإذا كنت تسكن في منطقة فقيرة فالمدرسة إمكاناتها فقيرة وإذا كنت تسكن في منطقة أهلها عنصريون وعقولهم لا تستوعب الآخر أو عندهم خوف من الآخر، فستكون بيئة المدرسة سيئة".

ما سبق يؤكده موقع منظمة EdBuild (تعمل من أجل تغيير الطريقة التي يقدم بها التعليم للمجتمعات المحرومة)، إذ يصف أنظمة تمويل المدارس في أميركا بـ "التعسفية والفاشلة في دعم الطلاب وفقًا لاحتياجاتهم".

وغالبًا ما تتاح مستويات تمويل أعلى في المناطق الغنية وذات الاحتياجات المنخفضة مقارنة بالأنظمة المدرسية التي تخدم الطلاب ذوي الاحتياجات الأكبر، وتحصل المدارس التي يغلب على طلابها الملونون على تمويل أقل من التي تخدم البيض بحوالي 23 مليار دولار سنويا، بالرغم من خدمة العدد نفسه من الطلاب، وفق تقرير "مقدار التمويل الذي تحصل عليه المناطق التعليمية التي يغلب عليها البيض مقارنةً بالمناطق التي تخدم في الغالب الطلاب الملونين" الصادر عن منظمة EdBuild في فبراير / شباط 2019، موضحا أن 5٪ فقط من الطلاب يعيشون في مناطق بيضاء تعاني من تحديات مالية متساوية.

يحظر الباب السادس من قانون الحقوق المدنية لعام 1964 التمييز على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي في أي برنامج أو خدمة أو نشاط يتلقى مساعدة فيدرالية، وتقول هينتون: "كل مؤسسة تعليمية تتلقى تمويلًا فيدراليًا عليها اتباع هذه القوانين، حتى يتحقق الإدماج وتكافؤ الفرص في التوظيف والتعليم".

وتعلق ديفيس، قائلة: "صحيح أن القوانين الفيدرالية قوية وقادرة على حماية الطلاب، لكن المشكلة تكمن في المعركة القانونية المكلفة مالياً، وبعض أسر الضحايا لا تستطيع توفير المال"، وتضيف أن الأمر يتوقف على مدى قدرة الوالدين على الدفاع عن أبنائهم وحمايتهم من حوادث التمييز، لكن المؤسف بحسب ديفيس، أن الأهل لا يعرفون كيف يقاتلون ضد التمييز لضمان معاملة أبنائهم وفقاً للقانون وتحقيقا للعدالة.

و"حتى من لديهم الوعي مشغولون بالعمل المرهق من أجل توفير الغذاء والمسكن لأبنائهم وليس لديهم الوقت الكافي للقتال القضائي ضد التمييز"، كما توضح ديفيس، وهو ما لم تستطع كول فعله، إزاء التمييز الذي تتعرض له ابنتها باندو، قائلة: "لا أملك الوقت الكافي لمتابعة حوادث التمييز ضدي وضد ابنتي، لأني طوال الوقت أركض وراء العمل لتوفير احتياجاتنا اليومية"، مضيفة بحزن: "عندما تعيشين وسط جيران قساة لا تفعلين شيئا سوى أن تتمالكي أعصابك".