العدد 1538 /23-11-2022

محمود الريماوي

يوم السادس من تشرين الثاني الجاري، زار وفد من حزب العدالة والتنمية التركي، برئاسة وزير العدل بكر بوزداغ، مقرّ حزب الشعوب الديمقراطي، وذلك ضمن سلسلة زيارات أجراها وفد الحزب إلى مقار الأحزاب الممثلة في البرلمان، للتداول في مقترح التعديل الدستوري الذي يعدّه الحزب الحاكم لـ"حماية الأسرة وضمان حرية ارتداء الحجاب".

بعد ستة أيام على هذه الزيارة، جرى اعتداء إرهابي في شارع الاستقلال في إسطنبول، أودى بستة أشخاص وتسبب بإصابة 80، وتم توجيه الاتهام، وفق تحقيقاتٍ أولية، مع المنفذة، ومع من دبّر الاعتداء، إلى حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من شمال سورية مقرّا له.

المشترك بين الأمرين هو العامل الكردي، إذ من المثير للاهتمام أن حزب الشعوب الديمقراطي الجسم الأكثر تمثيلا للترك الكرد في تركيا، (بين 17 و20 مليون نسمة)، ويعتبر الحزب الثالث في البرلمان بعد حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري. وعلى الرغم من أن رئيسه صلاح الدين ديمرطاش يقبع في السجن مع الرئيسة المشاركة للحزب فيغن يوكسكداغ منذ العام 2016، ورغم أن السلطات سعت إلى إغلاق الحزب وحلّه، وذلك مع اتهامه بإنشاء روابط مع حزب العمال الكردستاني، غير أن البون يبقى شاسعا بين حزب ذي هوية قومية وطروحات ليبرالية، يحظى بالترخيص، ويتمتع بوجود قوي في البرلمان التركي، والمكوّن الكردي الآخر خارج الحدود الذي يعتنق "الكفاح المسلح" ويقبع مؤسسه، عبدالله أوجلان، في السجن منذ العام 1999، وقد صدر بحقه حكم بالإعدام لكن الحكم جرى تجميده.

ومع كشف سلطات التحقيق في أنقرة عن مسؤولية حزب العمال الكردستاني عن التفجير الإرهابي في إسطنبول، ومع نفي هذا التنظيم الاتهام، تتّجه التوقعات إلى ترجيح توجيه الجيش التركي ضرباتٍ إلى أماكن وجود الحزب وخلاياه المسلحة، بما يشكّل حلقة جديدة من مسلسل المواجهات بين الطرفين، والتي تعود إلى نحو أربعة عقود على الأقل، تخلّلتها بعض الهدنات.

أما الحزب الكردستاني خارج الحدود فشأنه مختلف جدا، إذ تصنفه تركيا تنظيماً إرهابياً، وكذلك تفعل أميركا ودول أوروبية، غير أن واشنطن تدعم الحزب بالعتاد والمال بدعوى مكافحته تنظيم داعش، كما حظي مؤيدو الحزب بحرّية ممارسة أنشطة إعلامية وثقافية واجتماعية في دول أوروبية، منها السويد وفنلندا، وهو ما أثار اعتراض تركيا على انضمام الدولتين إلى حلف الناتو، وتدور منذ أشهر مباحثات بين أنقرة وكل من استوكهولم وهلسنكي في هذا الأمر، وقد حقّقت تقدّما ملحوظا.

من جهة أخرى، تتمسّك أنقرة بابتعاد قوات الحزب مسافة لا تقل عن 30 كيلومترا عن الحدود السورية مع تركيا، وقد أبرمت اتفاقا مع موسكو وواشنطن في العام 2019 بهذا الشأن، غير أن مساعي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التابعة للحزب لا تتوقف عن التقرّب من الحدود، وتخوض مواجهاتٍ مع المعارضة المسلحة في الشمال التي تحظى بتأييد تركي.

وبينما يقدّم الحزب نفسه على أنه يمثل الطموحات القومية للأكراد، فإن حكومات إقليم كردستان في شمال العراق، تنأى بنفسها عن الحزب الكردستاني، وتقيم علاقات وثيقة مع أنقرة. وتتموضع خلايا مسلحة لحزب العمال في بعض شعاب إقليم كردستان، ما يثير حملات عسكرية تركية عليها بين وقت وآخر، وكان جديدها أخيرا حملة المخلب متعدّدة الحلقات منذ نحو عامين.

تخسر المسألة الكردية مزيدا من الحلفاء والمناصرين في المنطقة، رغم التعاطف مع معاناة الأكراد هنا وهناك، وهو ما يثير التساؤل بشأن مغزى دوام التمسّك بخيار العمل المسلح في مواجهة الدولة التركية التي تضم أكبر كتلة للأكراد.

ليس هذا التوجّه طوباوياً، ولا خيار العمل المسلح واقعيا. ولا شك، بعدئذ، أن القطع مع الأنشطة المسلحة يتطلب تغييرا في بنية حزب العمّال الكردستاني وتبديل عقيدته، غير أن هذا الأمر، على صعوبته، يظل أقل عناءً من نزاع دائم واستنزافٍ دامٍ مفتوح.

بخلاف حال الأكراد في إيران مثلا، تتوفر تركيا على حزبٍ ذي خلفية كردية، وعلى تمثيل ضمني وقوي للترك الأكراد في البرلمان. ولا حاجة بهؤلاء لادّعاء حزب مسلح في الخارج تمثيلهم.. الأجدى وقف خيار العنف المسلح للعمّال الكردستاني تجاه تركيا، والتطلع إلى المستقبل، مع الإقرار أن توجهاً كهذا لن ينال ثقة الجانب التركي وقبوله. وسوف يحتاج نيل الثقة هذا إلى جهد سياسي شاقّ للوصول اليه، وذلك من جانب صاحب المصلحة الأكبر في وضع السلاح جانباً، وإعادة بناء الجسور المهدّمة.