العدد 1554 /15-3-2023

في ظل تعاظم حاجة تركيا للسيولة المالية إثر الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي البلاد في السادس من فبراير/شباط الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية تقديمها 5 مليارات دولار وديعة في البنك المركزي التركي، في خطوة تعكس تنامي التعاون الاقتصادي بين الرياض وأنقرة، وفق مراقبين.

ووقع رئيس الصندوق السعودي للتنمية أحمد بن عقيل الخطيب يوم الاثنين الماضي مع محافظ البنك المركزي التركي شهاب قاوجي أوغلو اتفاقًا لإيداع 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي، بحسب بيان للصندوق.

وكان وزير المالية السعودي محمد بن عبد الله الجدعان قد أعلن في ديسمبر/كانون الأول الماضي عزم بلاده إيداع هذا المبلغ في البنك المركزي التركي، في إطار مسار من التقارب السياسي والاقتصادي بين البلدين بدأ رسميا بزيارة ولي عهد السعودية إلى تركيا في يونيو/حزيران الماضي.

الحاجة إلى سيولة نقدية

في محاولة لاحتواء تبعات الزلزال الذي خلف أكثر من 45 ألف قتيل وشرّد الملايين من بيوتهم ودمّر عشرات الآلاف من المباني السكنية، قدمت الحكومة التركية تسهيلات مالية وحزما من الدعم المادي المباشر وغير المباشر للمتضررين من الزلزال، مما قد يشكل ضغطًا على الميزانية العامة في تركيا، بحسب خبراء.

وباعت تركيا سندات بقيمة 2.25 مليار دولار في أول طرح دولي منذ الزلزال. وبحسب بلومبيرغ، فقد باعت وزارة الخزانة والمالية التركية السندات المقومة بالدولار بعائد 9.5%.

وأظهرت بيانات للبنك المركزي التركي تراجع صافي الاحتياطي الأجنبي حوالي 1.4 مليار دولار إلى 20.2 مليار دولار في الأسبوع المنتهي يوم 24 فبراير/شباط الماضي.

وفي ظل التراجع في السيولة النقدية والاحتياطي الأجنبي في المصرف المركزي، وحاجة الحكومة التركية للإنفاق على جهود احتواء تبعات الزلزال والبدء بخطة لإعادة إعمار المناطق المتضررة، تبرز أهمية الوديعة السعودية، لكنها تثير تساؤلًا عن الفرق بينها وبين المنح والقروض واتفاقيات المبادلة.

مزايا الوديعة السعودية

تختلف الوديعة التي أعلنت السعودية إيداعها في المصرف المركزي التركي عن اتفاقيات المقايضة التي أبرمها المصرف بالفعل مع العديد من الدول، كما تختلف عن القرض والمنحة.

تقول الخبيرة باقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شريفة أكنجي إن المقايضة عبارة عن اتفاق ثنائي بين بنكين مركزيين يهدف إلى تسهيل التجارة المتبادلة، لذا فإن المقايضة هي اتفاقية تخول حق الاستخدام عند الضرورة.

أما الوديعة، بحسب أكنجي، فهي عبارة عن أموال تسلم نقدًا وتوضع في حساب إيداع في البنك المعني، مما يجعلها مصدرا أكثر كفاءة للسيولة النقدية من المقايضة.

وفي حين أن المنحة غير مستردة، وبهذا قد تبدو أكثر فائدة للاقتصاد التركي من الوديعة، فإن الودائع الكبيرة قد تحمل فوائد غير مباشرة ذات أهمية كبرى تتمثل في زيادة الثقة في الاقتصاد، كما تقول أكنجي.

وتضيف الباحثة والخبيرة الاقتصادية أن "الودائع السعودية تؤشر على الثقة في الاقتصاد التركي. فهي تعني دعم النمو الاقتصادي والاجتماعي والتنمية المستدامة في تركيا"، ورأت أن قرار الاستثمار في اقتصاد دولة من الدول من خلال الودائع الكبرى يعزز مصداقية وسمعة البنك المركزي لهذه الدولة.

من جهته، أكد الباحث الاقتصادي في مركز سيتا للدراسات دنيز استقبال أن الوديعة السعودية تعد خبرا إيجابيا للاقتصاد التركي، حيث ستساعد في زيادة احتياطات البنك المركزي على المدى الطويل، مشيرا إلى أن صندوق الاستثمار السعودي هو خامس أكبر صندوق استثمار في العالم.

وعلى صعيد الفرق بين الوديعة والقرض، أكد دنيز استقبال في حديث للجزيرة نت أن القرض يتطلب سداد المبلغ على أقساط مع الفائدة، أما الوديعة -وفي حالتنا هي المليارات الخمسة التي أودعها صندوق الاستثمار السعودي في البنك المركزي التركي- فهي نوع من الاستثمار الذي يعود بالفائدة على الطرفين.

ما القطاعات التركية المستفيدة من الوديعة؟

يرى الخبيران أن الوديعة السعودية سيستفيد منها بشكل خاص قطاع التجارة التركي والقطاعات التي تشهد استثمارات مشتركة بين البلدين.

ويقول استقبال إنها خطوة ستسهم في العلاقات التجارية التركية السعودية، وتزيد القدرة التجارية، كما ستؤدي إلى نمو حجم التجارة البينية.

في حين رأت أكينجي أن الوديعة سيكون لها تأثير على العديد من القطاعات في تركيا مثل الطاقة المتجددة والتقنيات الزراعية والصحة والبناء والسياحة والتمويل والطيران والتكنولوجيا والدفاع والتعدين والبتروكيماويات، وهي قطاعات تشهد في الغالب استثمارات سعودية أو استثمارات مشتركة بين البلدين.

أما الباحث دنيز استقبال فاستبعد أن يكون لها تأثير كبير على الليرة، واستدرك "مساهمتها في الاقتصاد التركي وقرارات البنك المركزي ستكون مفيدة على جميع الأحوال".

تنامي التعاون الاقتصادي بين تركيا والسعودية

كان مجلس الوزراء السعودي وجّه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بتشجيع الاستثمار المباشر مع تركيا، معلنًا تفويض وزير الاستثمار السعودي أو من ينوب عنه بإجراء مباحثات مع الجانب التركي في هذا الصدد.

وفقًا لتقرير صادر عن اتحاد الغرف التجارية السعودية نهاية العام الماضي؛ فقد بلغ حجم الاستثمارات السعودية في تركيا نحو 8 مليارات دولار، لكن وزير التجارة السعودي ماجد القصبي قال -في مقابلة صحفية نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي- إن حجم استثمارات بلاده في تركيا يبلغ حوالي 18 مليار دولار في الوقت الراهن، في وقت أكّد فيه وجود خطة لاستثمار ما بين 3 و4 مليارات دولار إضافية.

وحسب وكالة الأناضول، كشفت بيانات معهد الإحصاء التركي أن صادرات تركيا إلى السعودية كانت 3.2 مليارات دولار في 2019 و2.5 مليار دولار في 2020، وتراجعت بشكل كبير في عام 2021 إلى 265 مليون دولار، وعادت إلى الارتفاع بنسبة 180% في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، حيث بلغت 420.9 مليون دولار.