العدد 1533 /19-10-2022

قطب العربي

قمة المناخ التي تستضيفها مدينة شرم الشيخ المصرية من 6 إلى 18 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل هي القمة العالمية الوحيدة الكبرى والمهمة التي تنعقد في مصر منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013. بالتأكيد نسعد لتبؤ مصر مكانتها العالمية اللائقة بها، وبالتأكيد نسعد لأي عمل يعود بالخير على الشعب وأوضاعه المعيشية، لكن الأمر مع قمة المناخ مختلف، فلا الشعب سيستفيد منها شيئا، ولا هي سترفع قيمة مصر عالميا. وليست مصر أول دولة عربية أو عالم ثالثية تستضيف القمة، لقد سبقها عربيا المغرب مرتين وسبقتها قطر، وسبقتها العديد من الدول الأفريقية والآسيوية، وبالتالي فهي ليست إنجازا تاريخيا يستحق كل هذا الاحتفاء.

وحده النظام الحاكم هو المستفيد، أو الذي يسعى للاستفادة من هذه القمة لتكون قبلة حياة جديدة له في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها، ويفرضها على الشعب. صحيح أن الدعاية الرسمية للنظام تدعي أن هذه القمة ستحقق مكاسب اقتصادية كبيرة لمصر من خلال الترويج السياحي، وإمكانية جذب الاستثمارات العالمية، والحصول على تمويلات دولية جدية لمشروعات تتعلق بالبيئة، وتسليط الضوء على المشروعات الجارية الآن في مصر، لكن الأصح أن هذه المكاسب لا تتحقق بمجرد استضافة قمة، ولا بالتطبيل الإعلامي لها، لكنها تتحقق حين يتوفر المناخ الحقيقي الجاذب للاستثمار والسياحة، والذي يتمثل في استقرار سياسي وأمني، واحترام للدستور والقانون، وحقوق الإنسان، واحترام لقواعد التنافس السياسي والاقتصادي، وكلها أمور تفتقدها مصر الآن.

النظام المصري مشغول بنفسه، مشغول بالحصول على دعم سياسي واقتصادي دولي يطيل عمره في الحكم بعد أن حاصرته المشاكل التي صنعها بيده، وبسياساته الكيدية، وقبل كل ذلك باغتصابه لإرادة الشعب، والنظام الذي أنفق الكثير على هذه القمة، ودعا لها كبار قادة العالم، وأطلق من أجلها قناة إخبارية بتكلفة مالية عالية..

يريدها "زفة دولية"، توفر له الدعم السياسي والمعنوي في وقت انخفضت فيه شعبيته إلى أدنى حد، وإذا كان رأس النظام قد اعترف من قبل أن حفر تفريعة قناة السويس بسرعة جنونية وبكلفة باهظة من جيوب المصريين كان بهدف رفع الروح المعنوية للشعب، فإنه يريد من خلال هذه القمة رفع الروح المعنوية لرجاله ومساعديه الذين يخشى قفزهم من سفينته مع تصاعد الغضب الشعبي، وتصاعد الدعوات للخلاص منه.

لكن هل سيتحقق للنظام ما يتمنى من قمة المناخ؟ المؤشرات الأولية تجيب بالنفي، فملك بريطانيا تشارلز وهو أكبر نصير لقضايا المناخ في العالم، اعتذر عن عدم المشاركة، ووحده لو حضر لحقق لهذه القمة زخما دوليا قويا. وعلى الأرجح فإن كبار القادة العالميين سيحذون حذوه في الاعتذار، لتقتصر المشاركة في غالبها على قيادات الصف الثاني أو الوزراء، ونشطاء المجتمع المدني الذين تمكنوا من الحصول على تأشيرات دخول ويعتزمون التظاهر ضد انتهاكات النظام المصري في المكان المخصص لذلك في شرم الشيخ، وسينقل الإعلام الدولي مظاهراتهم، وهناك تنسيق مع مجموعات مدنية مصرية لعرض العديد من الانتهاكات أمام الإعلام الدولي.

الأهم مما سبق هي دعوات التظاهر التي أطلقها نشطاء مصريون يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر في القاهرة والمحافظات، وبغض النظر عن الجهات الداعية، فإن توقيتها "ضربة معلم"، وستكون مواكبة لقمة المناخ، حيث الحضور الكثيف للإعلام الدولي، والاهتمام الدولي أيضا. وهذا يعني أن النظام سيكون في ورطة سواء سمح لهذه التظاهرات وهو احتمال ضعيف، بل منعدم، أو رفضها وحال دون حدوثها وهو الأرجح، حيث سيكون ذلك حدثا في الحالتين، وستكون الرسالة واضحة أمام العالم مجددا أنه نظام غير مستقر، وبالتالي فلا سياحة ولا استثمار، ولا تمويلات بشروط ميسرة.. إلخ.

هل يعقل أن قمة للمناخ في مصر يُحرم من حضورها حزب الخضر المصري! وهو الحزب الشرعي الذي يركز برنامجه على قضايا البيئة والمناخ؟! وكيف تثق الأحزاب والمجموعات المدنية العالمية النظيرة بهذا النظام؟! لقد أصدر الحزب بيانا بالمشاركة مع اتحادات أحزاب الخضر العالمية انتقد عقد القمة في مدينة شرم الشيخ، وليس مكانا مأهولا بالسكان بهدف حرمان المجتمع المدني من تنظيم مسيرات وتظاهرات سلمية لرفع الوعي بقضية التغيير المناخي، كما رأى الحزب ومعه أحزاب الخضر العالمية أن الحكومة المصرية تتخذ من القمة ساترا لإخفاء انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وغالبا سيثير ممثلو أحزاب الخضر المشاركين في القمة هذه المشكلة خلال الجلسات.

الطريق ليس معبدا أمام النظام ليحقق أمنياته من قمة المناخ، بالعكس فإن المؤشرات تشي بأن هذه القمة قد تكون رصاصة الرحمة بوجهه. ولنتذكر هنا أن نظاما انقلابيا حكم الأرجنتين (1976-1981) بقيادة الجنرال خورخي رفائيل فيديلا أراد استثمار بطولة كأس العام التي جرت على أرضه عام 1978 لتحقيق شرعية سياسية، وأنفق الكثير من الرشاوى ليفوز الفريق الأرجنتيني بالكأس، حتى يلهي الشعب في أفراح الانتصارات، ويصرفه عن انتقاد الحكم الاستبدادي الذي قتل وشرد وأخفى عشرات الآلاف. لكن ذلك لم يشفع له، بل كان المونديال فرصة للعالم للقراءة والاستماع عما يحدث من أهوال في الأرجنتين. وهو ما سيتكرر في قمة المناخ بالنسبة لمصر.

لقد استغلت أمهات المختفين قسريا ذلك الحدث للخروج إلى ميدان مايو للتذكير بأبنائهن المختفين قسريا، وتحدثت صحافة العالم عن الانتهاكات الواسعة في الأرجنتين، ولم يكتف الأرجنتينيون بإسقاط ذلك الانقلاب، بل تمت محاكمة قادته وعلى رأسهم الجنرال فيديلا نفسه الذي صدر حكم بحبسه مدى الحياة، ومات في دورة المياه التابعة لزنزانته في السجن عام 2013، ولم ينجُ مساعدوه من الجنرالات من العدالة، حيث صدر في حزيران/ يونيو الماضي (2022) حكم بسجن 19 منهم بتهم ارتكاب جرائم اختفاء قسري وقتل وتعذيب، إضافة إلى اختطاف الأطفال.

العدل أساس الملك، وبغيابه لا مجال لتحقيق تنمية حقيقية ولا استقرار سياسي أو أمني، ولا مجال لجذب سياح أو مستثمرين، ولن تجدي نفعا الطنطنة بمؤتمر قمة عالمية للمناخ، أو بحوار وطني مشوه، لم يزل يراوح مكانه في جلسات إدارية شكلية لا تنتهي، ولا بقناة إخبارية جديدة لن تنجح في منافسة عربية أو عالمية.