العدد 1506 /30-3-2022

في توقيت متقارب شهدت عدة عواصم عربية اجتماعات اقتصادية لمسؤولين رفيعي المستوى، هدفها الأساسي الإسراع في تطبيع العلاقات التجارية والاستثمارية بين دول المنطقة ودولة الاحتلال، ودمج الاقتصاد الإسرائيلي في الاقتصادات العربية، والتمهيد لتوغل أكبر لشركات واستثمارات دولة الاحتلال داخل الأسواق والمجتمعات العربية.

صاحبت هذه الاجتماعات الاقتصادية استضافة إسرائيل لقاءً وسمته بالتاريخي عقد يومي الأحد والاثنين، وجمع بين وزراء خارجية الولايات المتحدة و4 دول عربية، هي مصر والإمارات والبحرين والمغرب.

سبق تلك القمة بأيام قليلة اجتماع جمع بين قادة مصر وإسرائيل والإمارات في منتجع شرم الشيخ، إذ أُجريَت محادثات بشأن التعاون في إقامة مشروعات استثمارية مشتركة، وبحث التأثير الاقتصادي للحرب الروسية على أوكرانيا بدول المنطقة، وخصوصاً على مستوى أسعار الأغذية والوقود، والنفوذ الإيراني في المنطقة وتعويم نظام بشار الأسد.

اليوم الثلاثاء، كشف ثاني بن أحمد الزيودي، وزير الدولة للتجارة الخارجية الإماراتي، عن انتهاء مفاوضات التجارة الحرة بين الإمارات وإسرائيل قبل نهاية الأسبوع الجاري، مؤكداً أنَّ الإمارات ستكون دولة النمو المطرد للشركات الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة.

علماً أنّ حجم التبادل التجاري بين الإمارات وإسرائيل شهد قفزة في الآونة الأخيرة حيث بلغ 1.2 مليار دولار خلال 14 شهراً، بعد إعلان تطبيع العلاقات بين البلدين في عام 2020.

وفي فبراير/شباط الماضي الماضي كشفت صحيفة غلوبز (globes) العبرية أنّ أبوظبي ستستثمر 10 مليارات دولار في الشركات الإسرائيلية. وأعلنت الإمارات عن تأسيس صندوق استثمار ضخم لهذا الغرض.

وأخيراً زار رئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتسوغ، ورئيس وزرائها نفتالي بينت أبوظبي، وأعلن هرتسوغ أنّ حجم تجارة تل أبيب مع أبوظبي يبلغ أكثر من مليار دولار، وأن الفترة المقبلة ستشهد قفزة لهذا الرقم.

وقبل أيام، قال سفير دولة الإمارات في إسرائيل، محمد آل خاجة، إنّ الدولتين تتطلعان إلى إبرام اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة قبل نهاية شهر مارس/آذار الجاري.

وفي المغرب شهدت العلاقات الاقتصادية مع دولة الاحتلال طفرة، إذ أُطلق قبل أيام أول خط جوي مباشر من الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة، إلى تل أبيب، في أول رحلة تجارية مباشرة بين المغرب وإسرائيل بعد 15 شهراً من تطبيع العلاقات بين البلدين، بدعوى تسهيل التنقل بين البلدين للمسافرين المغاربة من سياح ورجال أعمال.

كذلك وُقِّعَت شراكة استراتيجية بين البلدين في مجال صناعة الطيران، ووقع البلدان أخيراً اتفاقاً للتعاون الاقتصادي يطمح إلى رفع التبادل التجاري إلى نصف مليار دولار سنوياً.

كما وقّعا في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني اتفاق تعاون أمني غير مسبوق يتيح للمغرب خصوصاً الحصول بسهولة على معدات إسرائيلية عالية التكنولوجيا

وفي مصر عُقد قبل أيام قليلة اجتماع، في مكتبة الإسكندرية، ضم ممثلين عن 9 شركات إسرائيلية، ومسؤولين في مجلس الأمن القومي التابع للحكومة الإسرائيلية، ورجال أعمال مصريين، لبحث فرص استثمارات ومشاريع إسرائيلية في مصر.

وعرض ممثلو الشركات الإسرائيلية، خلال الاجتماع، رؤيتهم للفرص الاستثمارية في مصر، وعبّروا عن رغبتهم في الدخول إلى قطاع السياحة، وخصوصاً في شبه جزيرة سيناء.

ووفق مصادر مصرية، فقد اتُّفق خلال الاجتماع، بشكل نهائي على منح شركات الطيران الإسرائيلية التصاريح اللازمة لتسيير خط الطيران الجديد بين مطار بن غوريون الدولي ومطار شرم الشيخ، ابتداءً من شهر إبريل/نيسان المقبل، إضافة إلى مناقشة إمكانية فتح استثمارات إسرائيلية في محافظة جنوب سيناء.

ووقّع الأردن وإسرائيل في دبي، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إعلان نوايا للتعاون في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتحلية المياه. ومن المقرر أن تشارك الإمارات في تمويل المشروع، الذي ترعاه الولايات المتحدة.

أما خارج المنطقة العربية، فقد حدث تطوران لافتان. الأول، ما كشفه مسؤولون في تركيا وإسرائيل أمس عن أن الجانبين يبحثان خلف الكواليس إقامة خط أنابيب ينقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، باعتباره أحد بدائل القارة لإمدادات الطاقة الروسية.

وكان أردوغان قد أكد قبل أيام استعداده لإرسال عدد من كبار الوزراء إلى إسرائيل لإحياء فكرة خط الأنابيب القائمة منذ سنوات، بل شدد على أن التعاون في مجال الغاز إحدى أهم الخطوات التي يمكن أن نتخذها معاً في العلاقات الثنائية.

التطور الثاني، محاولة دولة الاحتلال التوسع اقتصادياً شرقاً، حيث تقع إندونيسيا، أكبر دولة ذات غالبية مسلمة في العالم، إذ تسعى تل أبيب لتحقيق هدفها بضمّ الدولة الآسيوية إلى قائمة المُطبِّعين، علماً أنّ وفوداً من العاصمة جاكرتا زارت أخيراً تل أبيب بدعوى الاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في مجالات الطب والزراعة والتكنولوجيا.

هل هذا هو رأي الشعوب التي لا تزال ترفض التطبيع الاقتصادي والتجاري مع دولة الاحتلال منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر ودولة الاحتلال في عام 1979؟

هذا جانب من تحركات حكومات دول المنطقة الأخيرة، الساعية إلى مساعدة تل أبيب على التوغل في المجتمعات العربية والسيطرة على الأسواق وجيب المواطن. فهل هذا هو رأي الشعوب التي لا تزال ترفض التطبيع الاقتصادي والتجاري مع دولة الاحتلال منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر ودولة الاحتلال في عام 1979؟

أم أنّ الشعوب ستراجع موقفها، وربما ستكون مجبرة على التعامل مع الأمر الواقع في حال تصويب الحكومات بنادقها وأسلحتها وفتح سجونها لأيّ رافض لمثل هذا التطبيع التعسفي والفوقي؟

مصطفى عبد السلام