العدد 1376 / 4-9-2019

بعد صمت خارجي طويل، أعادت تصريحات لوزير الخارجية الفرنسي وأخرى منسوبة للسفير الروسي بالجزائر، هاجس تدخل القوى الأجنبية في الأزمة الداخلية للبلاد، وهو أمر يتعامل معه الجزائريون بحساسية عالية.

ظلت الجزائر، رغم مرور نصف عام على الحراك الشعبي الذي أزاح نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعيدة على الأقل ظاهريا عن تدخلات القوى الخارجية التي تعاطت بحذر شديد مع الأزمة في بداياتها ثم سكتت عنها تماما.

لكن تصريحات منسوبة للسفير الروسي في الجزائر، خلال لقائه مع الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني محمد جميعي، يوم الأربعاء الماضي كسرت هذا الصمت ما أدى إلى ضجة كبيرة في وسائل الإعلام واستهجان من الجزائريين.

ونُقل عن السفير الروسي، إيغور بيليايف في إحدى صفحات فيسبوك التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني، أنه قال في الاجتماع، أن "الحل يكمن في تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال" وبأن "تشكيل هيئة الحوار من شأنه تسهيل الأمور".

وقيل عن السفير الروسي إنه أشاد بدور الجيش الجزائري معتبرا أنه "لعب دورًا تاريخيًا في تحقيق النتائج المشهودة للحراك، وأن سلمية الحراك برهنت للجميع مدى وعي الشعب الجزائري".

روسيا تكسر الصمت

والمعروف أن ما خاض فيه السفير الروسي، وفق ما نقل عنه، يعد من أكبر القضايا الخلافية في الجزائر، ما اعتبر على الفور تدخلا في الشأن الداخلي ومحاولة لتوجيه حلّ الأزمة نحو ما تريده السلطة في الجزائر.

وبعد احتدام الجدل، اضطرت السفارة الروسية إلى تنظيم لقاء مع الصحفيين، أشرف عليه السفير شخصيا، ليفند التأويلات التي صاحبت كلامه حول التدخل في الشأن الجزائري.

وأبرز بيليايف، أن ما قاله في لقائه مع الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، "لا يعدو أن يكون تأكيدا للموقف الروسي الرسمي حول الأحداث في الجزائر".

وأضاف أنه قال في اللقاء "أن ما يحدث في الجزائر هو قضية داخلية، وروسيا ضد التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي للبلاد تحت أي ذريعة".

وتابع السفير الذي تعد بلاده المصدر الأول للسلاح إلى الجزائر، بأن "الشعب الجزائري خلال ستةأشهر من الحراك أظهر وعيا ومسؤولية وحافظ على سلمية مطالبه وأثبت أنه هو من يحدد مصيره".

ووفق مصدر في السفارة الروسية بالجزائر فإن السفير تفاجأ بمحتوى الكلام المنقول عنه وبالضجة المثارة حوله، خصوصا وأن موقف روسيا كان دائما رافضا للتدخل في الشأن الجزائري.

فرنسا من جديد

ولم تكد تخمد الضجة المثارة حول السفير الروسي، حتى ظهر من جديد وزير الخارجية الفرنسي في تصريحات أخرى مثيرة تتناول الشأن الجزائري، رغم معرفته بحساسية الجزائريين من كل ما يصدر عن بلاده بخصوص الجزائر في هذه الفترة.

وقال جون إيف لودريان إن "رغبة بلاده الوحيدة بالنظر للعلاقات العميقة التي تجمعها بالجزائر هي أن يتمكن الجزائريون معا من إيجاد ما يوصلهم لطريق الانتقال الديمقراطي".

وأبرز لودريان في كلمته خلال اختتام أشغال ندوة السفراء الفرنسيين، "إن الحل يكمن في الحوار الديمقراطي"، مشيرا إلى أنه في هذه اللحظة التاريخية، سنواصل وقوفنا إلى جانب الجزائريين في إطار الصداقة التي تحكم علاقاتنا".

وكانت فرنسا في بداية الحراك الشعبي، قد أبدت مساندتها لخارطة الطريق التي طرحها الرئيس بوتفليقة، وهو ما جلب عليها سخطا كبيرا في الجزائر، أدى إلى التزامها الصمت بعد ذلك.

"محاولة لتوجيه الأزمة"

لكن ما هي الدوافع التي جعلت من دول أجنبية معروفة باهتمامها بالجزائر، تحاول التدخل في هذه الفترة التي تتنافس فيها عدة طروحات ومبادرات لحلّ الأزمة ؟

يقول زين الدين غبولي الباحث الجزائري بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إن الدول الأجنبية الكبرى "لديها مصالح تحميها في الجزائر وتكيف مواقفها وتدخلاتها على أساس ما يضمن استمرار نفوذها".

وذكر غبولي أن "هناك دول معينة، كروسيا على سبيل المثال، ترى في أي انتقال ديمقراطي حقيقي في الجزائر تهديدا لمصالحها الحيوية، خصوصا الاقتصادية منها".

وأضاف: "بينما هناك قوى تكمن مصلحتها في استقرار الجزائر، سواء كان ذلك عبر انتقال ديمقراطي أو نظام تسلطي، درءاً لأي أزمة قد تنجر عن تعقد الوضع السياسي الجزائر؛ حيث أن الولايات المتحدة تعتبر الجزائر شريكا أساسيا في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، وليست مستعدة لأي تطور غير محمود العواقب قد تتسبب فيه الضبابية السياسية حاليا".