العدد 1471 /28-7-2021

نزار السهلي

في خطوة مكشوفة تستهدف تطويع الثورة التونسية، نجح الرئيس التونسي قيس سعيد في إعادة البلاد لقبضته الأمنية بسيطرته، على مفاصل الحكم وتعطيل الحياة الحزبية والسياسية وتعطيل عمل الحكومة بعد شل عمل البرلمان، ومن ثم قرار تجميده ورفع الحصانة البرلمانية عنه..

مشهد كان متوقعا منذ مجيء سعيد للرئاسة وتصدره المشهد التونسي الذي طغت عليه رتابة الخطابة والشعارات الفارغة، واللغة التي تحمل فشلا ذريعا بمواجهة الواقع التونسي المتردي، خصوصاً الواقع الاقتصادي والصحي الذي شهد خلال رئاسة سعيد و"أزمة كورونا" تدهورا كارثيا نجم عنه احتقان متزايد في الشارع.

فرض حالة الطوارئ في البلاد والنبش في الدستور عن عكاكيز تعين الرئيس على الإمساك بمفاصل الدولة لتمنحه صلاحيات واسعة، يطلق من خلالها تهديدات عسكرية لمواجهة الشارع أو ما تقول عنها خطاباته: " من يتطاول على الدولة ورموزها ومن يطلق رصاصة واحدة ستجابهه قواتنا المسلحة والأمنية بوابل من الرصاص".

وعلى غرار الحالة المصرية، تتوجه ثورة قيس سعيد المضادة لتفصيل حياة سياسية وبرلمانية تتبع للرئيس شخصياً، وتجهض كل ما أنجزته الثورة التونسية على نظام ابن علي، والتي حملت بدورها سعيد للحكم عبر انتخابات ديمقراطية وحرة وأفرزت برلمانا ديمقراطيا منتخبا من الشعب.

الانقلاب على الدستور الذي عززته الثورة التي تعيش مخاضا عسيرا منذ اندلاعها، واستقواء سعيد بالجيش والأمن للانقلاب على الثورة بعد انهيار المنظومة الصحية في البلاد التي كان يديرها وزير الصحة المُقال فوزي المهدي، المحسوب على العسكر وعلى رئاسة الجمهورية.. يكشف عن الوجه الحقيقي للرئاسة وتوجهها لإقصاء المعارضة السياسية أولاً، وإجهاض العملية الديمقراطية برمتها من خلال حل البرلمان المنتخب، ثم البدء بحملة شيطنة للحكومة والبرلمان تتبعها تهديدات عسكرية غير لفظية، وإجراءات تقود بنهاية المطاف لتأمين الدعم العسكري لإجراءات وسياسة الرئيس لمواجهة البرلمان والحكومة اللذين باتا خصمين مؤكدين له.

عودة الديكتاتورية للمشهد التونسي بزعامة سعيد، تذكرنا بالجار المصري وخطاباته وسياساته قبيل الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، بمعنى تحميل الفشل للإخوان أو لحركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، كمقدمة لمشهد يخشاه الكثيرون على تونس، خصوصا بعد كلمة قيس سعيد الانقلابية المدعومة ظاهرياً من الجيش والأمن، في محاولة لإقحام هاتين المؤسستين لصالح الرئاسة، مع تكرار الحديث عن الأيدي الخفية والمؤامرة، وما إلى ذلك من مبررات باتت سخيفة للمتابع للشأن التونسي والعربي الغارف من نفس قاموس ذرائع تبرير الفشل والعجز.

من الواضح طبعاً أن الرئيس سعيد يعرف سلفاً ما تمثله السلطة التشريعية التي انقلب عليها للتونسيين، واللجوء للتخطيط المحكم للعدوان على حريات التونسيين واعتقال إرادتهم الدستورية أو تجميدها وتهديدها؛ يثير العديد من المخاوف من إثارة الشعب الذي تحرك سريعاً بمظاهرات غاضبة ورافضة لانقلاب قيس سعيد الذي وصفته بعض الكتل السياسية في البرلمان بالديكتاتور. فعلاوة على التوجه الرسمي للرئاسة لتمزيق وتفسيخ العمل الحزبي والسياسي والاجتماعي، هناك انهيار رسمي للمؤسسات التي يديرها الرئيس، وهناك سياسة تخويف وإرهاب يتعرض لها قطاع واسع من التونسيين، ومحاولات لإسكات بقية الأصوات وحصر المواجهة بين مؤيدي الرئيس وحركة النهضة التونسية في الشارع، بما ينذر بمخاوف كثيرة.

في كل الأحوال، ما تمخض عن انقلاب قيس سعيد على الدستور بشكل سريع في الشارع، يعكس الصورة المقبلة للحياة السياسية في تونس في عهده ومزاحمته على موطئ قدم في الثورة المضادة والديكتاتورية الملتحفة بتنميق الكلام وجهوزيتها لـ"إطلاق الصواريخ" من منصاتها حسب تعبيره.

وبصرف النظر مؤقتاً عن تاريخ الصراع والتنافس بين الأقطاب السياسية في تونس ومشروعيتها، يبقى الخطر القائم على تونس والثورة التونسية والحياة الحزبية والسياسية هو المعيق عن تسريع نسق سيرها للتحول إلى قوة قادرة فعلاً على إعادة الاعتبار لمبدأ الدستور وحرية التعبير والديمقراطية؛ التي ستقدم إجابات شافية عن أسئلة مستقبلية كبرى بينها: هل تونس تحتمل الخضوع مجددا لديكتاتورية واستبداد رئاسي؟ وإلى أي مدى ستنجح الثورة المضادة في تونس في تكريس الاستبداد والعودة للوراء، خصوصاً أن بديهيات الواقع التونسي تقول إن في تونس ثورة شعب أطاحت بديكتاتور، وعلى عاتقه تقع مسؤولية حماية ثورته وديمقراطيته من أي مستبد؟