العدد 1414 / 20-5-2020

تبدو العلاقات المغربية الجزائرية عصيّة على أي حل. ما يلبث التوتر بين البلدين أن يهدأ حتى تطل الخلافات من جديد. دائماً يتوفر ما يغذّيها ويمدّها لتكون أقرب إلى أزمة مستدامة. تصريح لمسؤول هنا، وصورة مرفوعة هناك. جديدُ محفزات مسلسل الأزمة الموقفُ المنسوب للقنصل المغربي في الجزائر، أحرضان بوطاهر. وصفُهُ الجزائر "دولة عدوة" في حديثٍ لم يكن يظن أنه سيُسجل وسيذاع سريعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، يلخص الكثير من رؤية البلدين لبعضهما بعضاً، وما يقال في الغرف المغلقة.

وبعيداً عن هذا التصريح الذي لم يكن الأول من نوعه ولن يكون الأخير، تبدو الدولتان، واللتان تجمعهما الحدود والتاريخ المشترك، كمن يتحين كل منهما الآخر على خطأ. كل ما يحدث في الرباط يثير هواجس في الجزائر والعكس صحيح. يتعدّى الأمر العلاقات الرسمية، يدخل الإعلام في البلدين في المعركة بقوة. قلة من لا تركب موجة تسعير التباينات واللعب على وترها. وإن كانت قضيتا ترسيم الحدود والصحراء العنوانين الأبرز المستمرين منذ بدء حقبة ما بعد الاستعمار، فإنهما ليسا الوحيدين اللذين يسيران بالعلاقات خطواتٍ إلى الوراء. قوبلت مسودة التعديلات الدستورية في الجزائر بقلق مغربي واضح، خصوصاً في ما يتعلق بتعديل عقيدة الجيش للسماح له بالمشاركة في مهمات خارجية. حتى أن بعضهم في المغرب بدأ يسوّق الخطوة أنها تستهدف، بطريقة أو بأخرى، بلدهم. وسبق ذلك، ترقّب ممزوج بكثير من القلق، من الحراك الشعبي والانتخابات في الجزائر التي طوت صفحة حكم عبد العزيز بوتفليقة جزئياً. ولم يدم التفاؤل بشأن قدرة الحدثين المركزيين في الجزائر، واللذين سيطبعان الحياة السياسية فيها طويلاً، على إحداث تحوّل بين الرباط والجزائر كثيراً.

وفي الطرف الآخر، تحضر دائماً قائمة طويلة من المطالب والملفات الخلافية، من الهجرة غير النظامية إلى المخدّرات إلى الأمن إلى الحملات الدعائية التي تصر الجزائر على ضرورة وقفها. ومعظم هذه القضايا شكلت العنوان الأساسي لتفاهمات شباط 2013 التي ما لبثت أن أطيحت. حتى دعوة الحوار التي أطلقها العاهل المغربي، محمد السادس، في 2018 تم تفويتها، سيما أنها جاءت في مناخ سياسي غير ملائم جزائرياً، وفي ظل انعدام الثقة المتبادل والمستمر.

يمتلك الطرفان، كلٌّ بمفرده، المقومات الكافية ليكون محوراً مؤثراً وقيادياً في الإقليمين، العربي والأفريقي. فكيف سيكون الحال إذا توافقا. من شأن تعاونهما السياسي والاقتصادي أن يبدّل الكثير في المحيط، ويعيد إحياء الاتحاد المغاربي المعطل بسببهما، لكن الخلافات والمنافسة أكبر، وهي تقود إلى خسارةٍ متوازية لا رابح فيها.

يستمرّ إغلاق الحدود البرية بين الجزائر والمغرب منذ 1994 عقب تفجيرات مراكش وتداعياتها على العلاقات بين البلدين، ومعه يستمر إغلاق فرص الحوار، على الرغم من أنه السبيل الوحيد للتوافق على إدارة الخلافات، لا حلها في الحد الأدنى. استمرار حالة العداء السياسي بين الطرفين في ظل كل المتغيرات السياسية والعسكرية في المنطقة، خصوصاً في ليبيا، إلى جانب التحولات الاقتصادية وما يمرّ به العالم جرّاء وباء كورونا، يبدو الخيار الأكثر كلفة عليهما، لكنه، في الوقت نفسه، يبدو الأنسب لهما، في ظل الحاجة المتبادلة إلى وجود طرف خارجي يمكن التصويب عليه، كلما دعت الحاجة للفت النظر عن مشكلات داخلية ملحّة.