العدد 1434 / 28-10-2020

لا تزال تداعيات اتفاقيات التطبيع المبرمة بين دول عربية وإسرائيل تتردد على مسامع الفريق الرافض لها، فبعد التحاق البحرين والسودان بركب الإمارات، تحدثت تقارير إعلامية عن أن العراق ربما يكون البلد المقبل، مشيرة إلى أنه يتعرض لضغوط إقليمية وغربية بهذا الشأن.

ولعل من أبرز المعطيات في هذا المجال أن تفرض الولايات المتحدة شروط سحب قواتها من العراق مقابل إقامته علاقات معلنة مع تل أبيب، فضلا عن "مشروع بلاد الشام الجديدة" بين (العراق ومصر والأردن) الذي تحدث عن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في حوار سابق مع صحيفة "واشنطن بوست" (WASHINGTON POST) وانتقده البعض، متخوفين من أن يكون المشروع خطوة أولى نحو المضي لتوقيع اتفاقيات سلام دائم مع إسرائيل.

وفكرة بلاد الشام الجديدة بمفهومها البسيط هي إحياء للسوق العربية الموحدة، فالعراق الغني بالنفط يمدّ الأردن ومصر باحتياجاتهما عبر أنبوب خام ممتد من البصرة وصولا إلى ميناء العقبة الأردني ومن ثم إلى مصر، وقد يستكمل من مصر إلى آسيا وأوروبا، وفي المقابل فإن مصر والأردن ستمدان العراق بالكهرباء عبر مشاريع للربط، ويتوازى مع كل ذلك تعزيز لانتقال العمالة، وبناء المشاريع الاقتصادية المشتركة والمدن الصناعية، والمناطق الحرة.

محور جديد

ويقول عضو حزب الدعوة الإسلامية جاسم محمد جعفر في حديثه للجزيرة نت، إن العراق لكي لا يحسب على محور دون آخر يحاول إيجاد موقع خارج المحورين الإيراني أو السعودي-الأميركي، ولذا فهو يلجأ إلى تشكيل محور آخر يعيش حالة من الاستقرار والعلاقة الجيدة مع المحورين المذكورين.

ويرى جعفر في حديثه للجزيرة نت أن الوضع الاقتصادي المتردّي في الأردن ومصر سينهك العراق الذي يعيش أزمة اقتصادية خانقة، ولذلك تطور محور الشام الجديد بين "بغداد و القاهرة وعمان" إلى علاقات اقتصادية وتجارية لن تكون من مصلحة العراق، لأنه مشروع يقوم على أساس مدّ الأنابيب النفطية إلى العقبة وإلى مصر، وهذا سيكلف العراق ثمنا باهظا. ويعتقد أن محاولات مصر و الأردن زج العراق في اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل بعيدة عن الواقع، لأن مصلحة بغداد إذا أرادت الدخول في اتفاق أو عملية السلام هي الحصول على امتيازات كبيرة، وفي مقدمتها تطوير الاقتصاد.

الموقف العراقي الرسمي حيال تلك الاتفاقيات عبّر عنه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي أكد في وقت سابق أن تطبيع الإمارات مع إسرائيل قرار يخصها، وعلى الجميع تجنب التدخل في ذلك بوصفه شأنا داخليا.

وعن احتمال ما إذا كان هذا الموقف يمثل موافقة حكومية على دخول العراق في اتفاقيات التطبيع، يقول المحلل السياسي عبد الرحمن الجبوري في حديث للجزيرة نت، إن الدستور العراقي يمنع إقامة علاقات والدخول في اتفاقيات سلام مع إسرائيل، كون بغداد ملتزمة بقرارات الجامعة العربية.

ويؤكد الجبوري أن موقف العراق أخلاقي تجاه القضية الفلسطينية، فهو يدعم حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ويرفض أي تقارب دبلوماسي أو إقامة علاقة مع تل أبيب.

وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية قد أعلنت في أغسطس/آب الماضي فتح ما سمّتها سفارة افتراضية في العراق، مؤكدة أن بغداد تستحق أن تنعم بالاستقرار بعد معاناة التدخلات الخارجية.

شرق أوسط جديد

ولأن ما سمي بمشروع الشام الجديد يحتاج العراق بموجبه قطاع طاقة كبير قائم على أساس استثمار ضخم، فإن الدول الملتحقة فيه "الأردن ومصر" تستطيع مساعدة بلاد الرافدين، لكن هناك فريقا يعتقد أن هذا المشروع قد يرسم ملامح شرق أوسط جديد لا تقوده إسرائيل، بل تكون فيه شريكة اقتصادية ضخمة بموجب الإمكانيات التجارية التي تتمتع بها، كما يقول السياسي العراقي مثال الآلوسي.

ويضيف الآلوسي في حديث للجزيرة نت، أن إسرائيل تتمتع بنظام اقتصادي وتجاري مميز، لكنه يعتقد أن السلام لغة العصر الموجودة في الأديان الثلاثة المنحدرة من سلالة النبي إبراهيم، ولذلك سمي اتفاق التطبيع الأخير مع الإمارات بـ"اتفاق أبراهام"، ولكن لا يمكن أن يكون تطبيع إسرائيل مع دولة صغيرة هو معيار للسلام الحقيقي من دون العراق الذي يعدّ المحور الأساس في المنطقة.

ويؤكد الآلوسي في حديثه للجزيرة نت أن "السلام مقبل لا محاله لأن مفاهيمه وفكرته تعدّ حاجة عراقية، وهذا ما ناقشه الكاظمي في جولته الأوروبية الأخيرة، فضلا عن أن تلك المفاهيم طُرحت على وفود عراقية سابقة زارت أوروبا وأميركا".

وفي المقابل، يرى القيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية أثيل النجيفي أن إلحاق العراق باتفاقيات السلام محاولة لإدخاله في دورة عنف جديدة .

ويؤكد النجيفي في حديثه للجزيرة نت، أن وضع الكاظمي ليس قويا في الداخل ليخطو خطوة إستراتيجية مثل مشروع الشام الجديد، لأنها قد تضيف أزمة حادة إلى أزماته الداخلية، ويعتقد أن إدخال العراق في أجندة التطبيع سيكون خدمة للمحور الإيراني وحلفائه في تبنّي معارضته، خاصة وأن التطبيع ليس فيه أي مكاسب عاجلة ولا آجلة للعراق.

أزمات داخلية

ويعاني العراق فوضى سياسية وأزمات داخلية بسبب المشكلة الاقتصادية العاصفة الناجمة عن تدهور أسعار النفط، وهي كلها عوامل تجعل العراق غير مهيأ للالتحاق بركب المطبعين، كما يرى عماد باجلان عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.

ويقول باجلان في حواره مع الجزيرة نت، إن تطبيع العراق مع إسرائيل مرهون بعوامل كثيرة في المنطقة أبرزها تطوير العلاقات بين إيران وأميركا من جهة، وإسرائيل وسوريا من جهة أخرى، مشيرا إلى أن تغيير هذه العلاقات سيلقي بظلاله على تغيير الموقف الرسمي للعراق من سباق التطبيع الذي تشهده المنطقة في هذه المرحلة.