العدد 1479 /22-9-2021

صابر غل عنبري

لم يمر على عمر الحكومة التي شكّلها الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، سوى 3 أسابيع. لكنها قبل أن تنال ثقة البرلمان في 25 أغسطس/آب الماضي، ومنذ لحظة عرضها على المؤسسة التشريعية قبل هذا التاريخ، تعرضت لأحكام مسبقة وانتقادات، خصوصاً من التيار الإصلاحي والشارع الإيراني.

مواقف القوى الإصلاحية من التشكيلة الحكومية الجديدة شبه معروفة. فعلى الرغم من التزام بعضها الصمت، لكنّ ثمة أحزاباً إصلاحية عبّرت عن موقفها الرافض لها، إذ قال حزب "مجمع ايثارغران" (الفدائيين) الإصلاحي، في بيان، إن التشكيلة الحكومية "ضعيفة وغير موفقة"، متهماً إياها بـ"الرجعية والعودة إلى الوراء".

على الضفة المحافظة أيضاً، سجلت تحفظات حول الحكومة الجديدة، على الرغم من أنها حظيت بترحيب وتأييد الغالبية المطلقة من التيارات المحافظة. فـ"جبهة الصمود" (بايداري) الأصولية المتشددة التي كانت تسعى إلى نيل حصة كبيرة في الحكومة، عبّرت عن تحفظات تجاه التشكيلة الوزارية "المحافظة والشابة"، التي كانت لـ"الحرس الثوري" بصمته الواضحة عليها، ليُعيَّن القائد السابق لـ"فيلق القدس" العميد أحمد وحيدي وزيراً للداخلية، ونائب قائد الفيلق للشؤون الاقتصادية رستم قاسمي وزيراً للطرق وبناء المدن، والمقرب من "الميدان"، أمير عبداللهيان وزيراً للخارجية.

أما آراء الشارع تجاه الحكومة الجديدة، ومدى قدرتها على التغلب على الأزمات والتحديات، فتباينت، بين من يؤيدونها بدرجات متفاوتة بين الشدة والحذر، ويرونها "قادرة" على مواجهة التحديات، وبين من يرفضونها ويعتبرون أنها "غير قادرة" على ذلك. أما الآخرون فهم غير مكترثين؛ منهم من يئس من أي تطور إيجابي قد يحصل، ومنهم من لا يهمه الأمر.

"من المبكر الحكم على حكومة رئيسي والتعليق على أدائها، فالأوضاع المضطربة في البلاد بحاجة إلى ستة أشهر أو سنة منذ تشكيل الحكومة للحديث عن أدائها"، هكذا تقول الخمسينية الطهرانية آرزو ساماني، التي التقتها "العربي الجديد" في حارة "دولت أباد" جنوب طهران. وتضيف أنها "متفائلة" وتأمل أن يتغلب رئيسي على "جميع المشاكل، خصوصاً الاقتصادية والمعيشية، بتدابير ثورية لإدخال السرور إلى قلب المواطنين".

لكنّ بائع خردة شاباً في ساحة "شوش" بالقرب من دولت أباد لا يوافقها الرأي، قائلاً، لـ"العربي الجديد"، إن "الرئيس الجديد وعد بوضع حد لارتفاع الأسعار، لكن انظروا إلى أسعار الجزر والدجاج منذ تسلمه السلطة. لقد ارتفعت بشكل كبير بخلاف وعوده". حينذاك، قاطعه رجل أربعيني قائلاً: "أنا أعرف أن هذه الحكومة أيضاً لن تقوم بشيء، لكنني أرى أن رئيسي أفضل من (الرئيس السابق حسن) روحاني، الذي لم يخرج من قصر الرئاسة يوماً. انظروا إلى رئيسي كيف، خلال أيامه الأولى (في الحكم)، يزور المناطق الفقيرة في المحافظات ويهتم بالمهمشين".

من جنوب طهران، حيث الطبقات الفقيرة والمتوسطة، إلى وسط المدينة وساحة "انقلاب" (الثورة) لا تختلف الآراء كثيراً. وكلما تحركت باتجاه شمال العاصمة وجدت أن نسبة التشاؤم ازدادت والتفاؤل قلّ. فيقول الثلاثيني جواد في الساحة نفسها، لـ"العربي الجديد"، إن "تجربة الحكومات السابقة تجعلني متشائماً تجاه هذه الحكومة أيضاً". ويضيف المواطن الطهراني أنه لا يعرف كثيراً عن أعضاء الحكومة الجديدة "لكن حسب ما سمعت فإنهم لا يمتلكون الخبرة الكافية، ومعظمهم شباب لم يسبق أن تقلدوا مناصب مهمة".

غير أن الموظف الستيني عادل ولي يرى أن "وجود شباب بين الوزراء لا یُعتبر ضعفاً، وهم أكثر نشاطاً ودينامية، ووجودهم نقطة قوة، إذا حالفهم التخصص والعلم، لكن علينا أن ننتظر ما سيفعلونه لاحقاً". ويشير، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "ثمة مؤشرات تبعث على الأمل، مثل توفير كميات كبيرة بالملايين للقاحات كورونا، وأخرى تبعث على التشاؤم؛ فارتفاع الأسعار، وخاصة سعر صرف الدولار، خلال الأيام الأخيرة، أمر مقلق".

وتبدو مختلف الآراء حول الحكومة الإيرانية الجديدة، مدفوعة بتطورين مهمين، الأول الحجم الكبير للتحديات والأزمات التي تواجهها، وخاصة الاقتصادية والثقة بالحكومات، وعليه، تطرح تساؤلات ملحة عما إذا كانت الحكومة بمستوى مواجهة تلك الأزمات. والأمر الثاني أنه للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ 1979 تشهد البلاد هيمنة كاملة للمحافظين على جميع مفاصل الحكم، فلم يسبق أن سيطر لون سياسي واحد على السلطة برمتها في تاريخ البلاد، بعدما أصبح منافسهم الإصلاحي خارج السلطة تماماً، إثر انتزاع الرئاسة الإيرانية منه ومن التيار "المعتدل" في الانتخابات التي أجريت في 18 يونيو/حزيران الماضي.

"أرجو منك ألا تسألني عن السياسة... المسؤولون يعدون كثيراً ولا يفعلون شيئاً. أنا غارقة في مشاكلي ولا يهمني ماذا سيفعل الوزراء الجدد"، هكذا ردت أربعينية شمال غربي طهران على سؤال "العربي الجديد". وكان الأربعيني شهرام جالساً في محله التجاري لبيع الأقمشة، شمالي طهران، وينفض بيده الغبار عنها، فقال: "بغض النظر عما إذا كانت الحكومة تمتلك الخبرات أم لا أو أنها قادرة على حل المشاكل أم لا، لكن لنفترض أن لديها الإرادة، فهل يكفي ذلك؟"، مضيفاً: "من دون رفع العقوبات لن تحل مشاكل البلاد، فمفتاح الحل بيد أميركا وليس الحكومة". ويتابع أن "تشكيلة الحكومة، وسياسات رئيسي، واختيار هذا الشخص وزيراً للخارجية (أمير عبداللهيان) توحي بأنها ستتخذ نهجاً متشدداً تجاه الغرب لا يؤدي إلى حل النزاع معه. ولذلك أتوقع أن تزيد مشاكلنا الاقتصادية، ولن ترفع العقوبات".

وفي السياق أيضاً، يستبعد أمير حسين، من مدينة أصفهان وسط إيران، تجاوز بلاده الأزمة الاقتصادية إذا لم ترفع العقوبات، لكنه يعتقد أن "هذه الحكومة جادة في مكافحة الفساد، وإذا نجحت في ذلك، وتقلصت أخطاء الإدارة، فيمكن تخفيف آثار العقوبات". ويضيف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه لم يشارك في الانتخابات الرئاسية التي جاءت برئيسي "لكنّ ثمة سلوكاً وتصريحات لرئيس الجمهورية أقنعتني بأنه يريد أن يفعل شيئاً للبلاد".

"الحكومة محكوم عليها بإصلاح الأوضاع وحل مشكلة المعيشة، هذه آخر فرصة، حتى إن تطلّب الأمر تقديم تنازلات في المفاوضات" كما يقول الثلاثيني وحيد من مدينة أورومية غربي إيران، مشيراً إلى أن "الوضع الاقتصادي بلغ مرحلة لا تحتمل معالجته التأخير". وترى رقية السادات، من مدينة مشهد، شرقي البلاد، أنّ "رئيس الجمهورية صادق في وعوده وسيعمل على حلّ المشاكل، لكن لن يتم ذلك سريعاً ويجب أن نمنحه الوقت" قائلة، لـ"العربي الجديد" إنّ "الغرب وأنصاره في الداخل سيعملون على إفشال الحكومة، لكنّها لن تفشل".