العدد 1512 /18-5-2022

تُعتبر وحدة دوفدفان في جيش الاحتلال الإسرائيلي، من أشد وحدات الجيش الخاصة والمتخصّصة في قتل رموز وعناصر المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. أسّسها الاحتلال سرّاً في البداية، على يد رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك، كوحدة للقتل والتصفيات، وأراد أن يشبه عناصرها العرب، في مظهرهم ولهجتهم، بغرض اختراق المناطق الفلسطينية وارتكاب جرائمهم.

يطلق الاحتلال اسم "دوفدفان" من أجل المفاخرة بقتل وتصفية المقاومين، الذين يجد صعوبة في الوصول إليهم أو تصفيتهم ميدانياً. ودوفدفان بالعبرية تعني "الكرز"، كتعبير موازٍ "للجوهرة في رأس التاج"، ما يمثل حقيقة إكبار جيش الاحتلال ودولة الاحتلال بالقتل والتصفيات. وقد تأسّست هذه الوحدة في أواخر عام 1987، وسرعان ما أخذت موقعها في آلة القمع والقتل الإسرائيلية، مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ديسمبر/كانون الأول عام 1987.

"دوفدفان" ونظيرتها "شمشوم"

واعتُمدت الوحدة، باعتبارها القوة الرئيسية لقتل قادة الانتفاضة الميدانيين، تحت ستار وحدة خاصة، في ظلّ روايات الفلسطينيين عن الوحدة التي كانت تقتحم بيوتهم خلال السنة الأولى للانتفاضة لتقتل، أكثر مما تعتقل، نشطاء في الانتفاضة الأولى. وفقط في العام 1988، بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتسريب حقيقة وجود الوحدة، إلى جانب أخرى موازية لها حملت اسم "شمشوم"، في إشارة للبطل اليهودي الأسطوري الذي هدم المعبد على من فيه، تخصّصت بدورها في عمليات التصفيات في قطاع غزة.

تأسّست الوحدة كفرقة خاصة لـ"مكافحة الإرهاب" في التسمية الرسمية، ولمنع كشف حقيقة وجودها ونشاطها في اغتيال نشطاء الانتفاضة الأولى. لكن تقريراً لوكالة "رويترز" في القدس في أكتوبر/تشرين الأول 1988، كشف عن وجود الوحدة السرية كوحدة تصفيات لقتل من تشتبه بهم مخابرات الاحتلال بأنهم يقودون الانتفاضة الفلسطينية الأولى ميدانياً.

وبطبيعة الحال، نفى جيش الاحتلال، كما كان متوقعاً، وجود وحدة اغتيالات وتصفيات للمطاردين وقادة الانتفاضة الميدانيين، إلا أن الجرائم التي ارتكبها أفراد الوحدة توالت، مع اغتيال نشطاء، ومحاصرتهم، وإطلاق النار عليهم بهدف تصفيتهم جسدياً، ما أكّد وجود الوحدة السرية، إلى جانب وحدة "شمشوم"، ثم لاحقاً، توالت الإشارة للوحدتين باعتبارهما من وحدات المستعربين. وكان أفراد هاتين الوحدتين، يقومون بمصادرة مركبات بلوحات ترخيص فلسطينية، والتخفي بزي عربي، ووضع الكوفية الفلسطينية والتلثم بها، لاختراق البلدات الفلسطينية والتظاهرات ضد الاحتلال، ثم يترجلون من السيارات ويبدؤون بملاحقة الناشطين، ومن ثم إدراجهم في سجل التصفيات.

وتشكلت الوحدة بأوامر من رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود باراك، عندما كان قائداً للمنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، وهو التوصيف للجنرال المسؤول عن منطقة الضفة الغربية في جيش الاحتلال، بعد فشل جنود وقوات الاحتلال في العامين الأول والثاني للانتفاضة في القضاء عليها، وفي ظل الإحباط الإسرائيلي، بعد مقولة رئيس وزراء الاحتلال السابق إسحاق رابين الشهيرة، وأوامره للجنود الإسرائيليين بتكسير أيادي وأرجل المتظاهرين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من جهة، وتعاظم التأييد العالمي للانتفاضة الفلسطينية، من جهة ثانية.

وحدّد باراك في تعليماته عند تشكيل الوحدة، ملامح أفرادها، بقوله: "أريد وحدة، يبدو أفرادها كالعرب، وأن يتحدثوا اللغة العربية كالعرب، ويقودوا دراجات، ومعهم خوذ في قلب القصبة في نابلس، كما لو كانوا في شارع ديزنغوف في تل أبيب. أناس يكونون قادرين على التحرك بتخفٍّ جزئي يمكّنهم من الوصول للهدف دون حاجة لقوات كبيرة تكون مكشوفة ميدانياً".

ولهذه الغاية، ومع أن باراك أسّس وحدة القتل والتصفيات على غرار وحدة "سرية الأركان" التي كان قائداً لها خلال خدمته العسكرية، ونفذت عمليات في العمق العربي، أشهرها عملية "فردان" في قلب بيروت، والتي أسفرت عن اغتيال كمال ناصر وكمال عدوان ويوسف النجار، استعان باراك في مراحل تأسيس هذه الوحدة بمتطوعين من مختلف وحدات الجيش، خصوصاً من أصول شرقية وعرب يجيدون اللغة العربية ولهجاتها المحلية في فلسطين، بالإضافة إلى تدريبات خاصة من قبل عناصر من جهاز المخابرات الإسرائيلية الذي كان يسمّى حينها "الشين بيت"، وأصبح اليوم يدعى "الشاباك".

وظلّت عمليات الوحدة يكتنفها الغموض، لكن الشهادات عن ناشطين ميدانيين قتلتهم الوحدة ازدادت بشكل مكثف في العام الثالث للانتفاضة، مع توثيق قتل شهداء في منطقة طولكرم، في ملعب كرة القدم، حيث اغتال عناصر من الوحدة الشهيد جمال رشيد غانم، وسط ملعب كرة القدم، ثم توالت عمليات الاغتيال لعناصر مجموعة الفهد الأسود في منطقة جنين، وأبرزهم قائد المجموعة آنذاك محمود الزرعيني، والشهيدان أمير الرحال ومهدي أبو الحسن، ولمجموعات النسر الأحمر في منطقة نابلس، فيما كانت قوة شمشوم تقوم بعمليات تصفية مماثلة لعناصر صقور الفتح في قطاع غزة.

بعد اتفاق أوسلو، ارتفعت أسهم هذه الوحدة خصوصاً بعد أن فقد جيش الاحتلال قدرته على التحرك بحرية مطلقة في مناطق "أ" التابعة للسلطة الفلسطينية، وانسحاب قواته من المدن الفلسطينية الرئيسية في الضفة الغربية المحتلة، و"حاجة الاحتلال لقوة مدربة وصغيرة، يمكنها أن تدخل بسرية وتحت جنح الظلام لتنفيذ عمليات اعتقال واغتيالات في صفوف المقاومة"، وسجلت وحدة دوفدفان في سجلها عملية اغتيال القائد في حركة حماس إياد بطاط من كتائب عز الدين القسام في ديسمبر/كانون الأول 1999.

ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، بعد انهيار مفاوضات كامب ديفيد، واقتحام زعيم المعارضة الإسرائيلي أريئيل شارون المسجد الأقصى، عادت وحدة دوفدفان لتصبح رأس الحربة في قوات الاحتلال، لمطاردة رموز المقاومة العسكرية من مختلف الفصائل في الضفة الغربية المحتلة.

وكان عناصر الوحدة على رأس المقتحمين لمقر الرئيس ياسر عرفات في رام الله، تحت قيادة العميد نداف بدان، وتعزز دور الوحدة في الاقتحامات والعمليات العينية القصيرة، بعد انتهاء عدوان السور الواقي عام 2004، وذلك بقرار من قيادة الجيش والحكومة، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من المدن الفلسطينية، وعادت حكومة الاحتلال لتنفيذ عمليات اغتيال واعتقالات عينية على يد قوات وحدة دوفدفان، وذلك لتجنب الانتقادات العالمية.

مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2008، تحت مسمّى الرصاص المصبوب، وجّه الاحتلال للمرة الأولى قوات دوفدفان للمشاركة في العمليات، وكانت الوحدة تحت قيادة العميد في الجيش عوفر فينتور، الذي اشتهر لاحقاً عند شنّ عدوان 2014، وفي معارك رفح التي استطاعت فيها المقاومة الفلسطينية من اختطاف الجنديَّين الإسرائيليَّين هدار غولدن وأورون شاؤول.