العدد 1414 / 20-5-2020

نواف التميمي

تناول الرئيس ابو مازن ثلاث حبّات من تمر أريحا، وأمْسَك بنيّة الصيام، اتجه إلى القبلة وصلى، ثم باشر بتقليب ريموت التلفاز بحثاً عن آخر الأخبار. وقف الرئيس عند صوت مذيع النشرة يقرأ: وافق البرلمان الإسرائيلي على تشكيل حكومة وحدة يتقاسمها بنيامين نتنياهو وبيني غانتس، وستُقرّ الحكومة الإسرائيلية الجديدة خطتها لضمّ منطقة الأغوار الاستراتيجية على طول الحدود الأردنية، وضمّ المستوطنات في الضفة الغربية. ويؤكد نتنياهو أن تنفيذ أمر الضمّ سيكون في الأول من تموز المقبل.

انتفض الرئيس من مقعده، نادى مرافقه الخاص، استقلّ سيارته بلا موكب، عبر سريعاً شوارع رام الله نحو المقاطعة، وطلب اجتماعاً طارئاً للقيادة. سأله المستشارُ: هل نستدعي اللجنة الخاصة بالمفاوضات، أم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أم اللجنة المركزية لحركة فتح، أم لجنة المتابعة المنبثقة من الاجتماع الأخير للمجلس المركزي، أم لجنة العمل الوطني الموسعة؟ يصرخُ الرئيسُ: ولا واحدة، هذه لجان انتهى مفعولها، وفات زمنها، عَمِلتْ على مدار 30 سنة ولم تثمر إلا الوهم. الاستدعاء، يصدر باسم القائد العام، ويوجّه إلى قيادة قوات الثورة الفلسطينية، قيادة قوات العاصفة، وقيادات كتائب الأقصى، وكتائب أبو علي مصطفى، وكتائب القسام، وغيرها من التشكيلات العسكرية. لم يمضِ وقت طويل على أمر الرئيس العاجل والمفاجئ حتى غصت ردهات مقرّ المقاطعة بحملة الرُّتب والنياشين، والملثمين المدججين بمختلف أنواع الأسلحة الرشاشة.

يتصدر الرئيس الطاولة الطويلة، غير مكترثٍ بالتباعد الاجتماعي الذي فرضه "كوفيد - 19"، ولا مهتم بعيون تراقبه من بيت إيل مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي، غير البعيد عن مقر الاجتماع. على غير عادته، بدأ الرئيس حديثه من التاريخ القريب، من دون الخوض في الإسكندر المقدوني وبلفور البريطاني، أو حتى مؤتمر مدريد وما بعده. خاطب الرئيس الحضور بعد تنهيدة عميقة: خلال العقود الثلاثة الماضية، جرّبنا كل الطرق، طرقنا جميع المنابر، تنازلنا عن 87% من فلسطين التاريخية، وافقنا على شروط مجحفة، ولم نغلق الباب مرّة، تركنا الأبواب مشرّعة دائماً للمفاوضات، وكلما سَدت الحكومات الإسرائيلية طريقاً فتحنا سرداباً. ويواصل الرئيس: قمعنا المقاومة واعتبرناها إرهاباً، التزمنا التنسيق الأمني بوصفه مقدّساً، منعنا شبابنا من مجرّد التظاهر وفتشنا حقائب تلاميذ المدارس، حاربنا التحريض في المناهج، وأغلقنا عشرات المواقع الإعلامية، كمّمنا أفواه الصحفيين والناشطين السياسيين، حتى قبل تفشّي كورونا، كل هذا في سبيل السلام. أقاموا جدار الفصل العنصري وسكتنا، شنّوا الحرب بعد الحرب على غزة وبلعناها، أعلنوا ضمّ القدس ونقل السفارة الأميركية واكتفينا بالرفض، لم نحتج على ضمّ الجولان على أساس أنه شأن إسرائيلي سوري لا علاقة لنا به. وفي آخر المطاف، طلع علينا الرئيس الأميركي بخطةٍ يسميها صفقة القرن، أسميها صفعة العصر، لتصفية القضية، ومع ذلك لم نفعل شيئاً، حتى لم نتظاهر على المنارة لا بشموع ولا غيرها. وتابع الرئيس، وقد تنفخ وجهه: سرقوا أموال الضرائب، وصادروا مستحقات الجمارك، ورفعوا علينا تكلفة المحروقات، أطلقوا الخنازير والفئران على حقولنا، عاثت قطعان مستوطنيهم خراباً في أشجارنا. باختصار، صرنا سلطة بلا سلطة، ورضينا بالعيش تحت بساطير الاحتلال، يعني، رضينا بالبين والبين ما رضي فينا. ماذا بقي؟ والآن يهدّدنا بنيامين نتنياهو بضمّ الأغوار، وقضم مساحاتٍ من الضفة الغربية، ويباركه الجانب الأميركي، ويكتفي الأوروبي والروسي بالصمت أو الاحتجاج. لقد تركنا العالمُ وحدنا، لا أحد يهتم لتصفية قضيتنا. ولكن لا، للصبر حدود، بكفي، طفح الكيل، يخرب بيتهم. صمت الرئيس برهة، وردّد: إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر. ضرب الرئيس بيده على الطاولة وصرخ هاتفاً، ثورة ثورة حتى النصر، وعالقدس ماشيين شهداء بالملايين.

أيقظني خَبطُ الرئيس على الطاولة وهتافه الثوري، انتفضت من نومي، وهَرعت إلى التلفاز، المذيع يقرأ نشرة الأخبار: الرئيس يؤكد مُجدّداً رفضه ضمّ إسرائيل أي أراضٍ، ويهدّد مُجدّداً بتشكيل لجنة جديدة لإعادة النظر بجميع الاتفاقيات مع إسرائيل. كان حلماً جميلاً، والله المستعان.