العدد 1689 /12-11-2025

محمد أمين

لم تخرج زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة، والتي تُوّجت مساء أمس الأول الاثنين، بلقاء امتد لأكثر من ساعة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأركان إدارته، بتحقيق اختراقات فورية في الملفات بين دمشق وواشنطن، رغم إشادة ترامب بالشرع. أكثر الملفات حضوراً كان انضمام سورية الرسمي إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب، والاتفاق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، ورفع العقوبات الأميركية المشرعة بقوانين على سورية، وكلها لم تشهد تطورات كانت منتظرة، ما يؤكد أن الظروف لم تنضج بعد لحسم هذه الملفات وأخرى تابعة لها، معلقة منذ سقوط بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، تحتاج كما يبدو لنقاش إضافي. ولم يكن إعجاب ترامب بالقيادة السورية الجديدة، كفيلاً بفك عُقد هذه الملفات الشائكة والمعقدة، التي يؤسس التوصل لحلول ناجعة لها لشراكة طويلة الأمد ومفصلية بين واشنطن ودمشق، التي تعوّل على هذه الشراكة لتجاوز الكثير من التحديات التي تهدد سورية.

لقاء الشرع وترامب

وأشاد ترامب بالشرع بعد المحادثات بينهما في البيت الأبيض مساء الاثنين. وقال ترامب إنه يريد لسورية "النجاح" بعد الحرب التي استمرت أكثر من عقد، معرباً عن اعتقاده أن الشرع "قادر على تحقيق ذلك". وبعد الاجتماع الذي عُقد بعيداً عن الإعلام، قال ترامب عن الشرع "إنه قائد قوي جداً"، مضيفاً: "يتحدث الناس عن قساوة ماضيه، كلنا كان ماضينا قاسياً... وأعتقد صراحة أنه لن تكون لديك فرصة إن لم يكن ماضيك قاسياً". وقال ترامب إن سورية هي "جزء كبير" من خطته لسلام أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط، معلناً أن إدارته تعمل مع إسرائيل لتحسين العلاقات مع سورية. كما جاء في منشور للرئاسة السورية على منصة إكس، أن المحادثات بين الشرع وترامب تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين: "وسبل تعزيزها وتطويرها، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك". وخلافاً للمراسم الاعتيادية المتّبعة لدى لقاء ترامب قادة دول، كان اللقاء مع الشرع مغلقاً وبعيداً عن الإعلام. لكن الرئاسة السورية نشرت صوراً لترامب مصافحاً الشرع في المكتب البيضوي.

من جهتها، ذكرت الخارجية السورية في بيان، أن الرئيس الأميركي "أكد استعداد الولايات المتحدة لتقديم الدعم اللازم الذي تحتاجه القيادة السورية لإنجاح مسيرة البناء والتنمية في المرحلة المقبلة". وبيّنت أنه "بتوجيه من الرئيس ترامب، عُقد اجتماع عمل ضم وزير الخارجية أسعد الشيباني ونظيريه الأميركي ماركو روبيو والتركي هاكان فيدان، لمتابعة ما تم الاتفاق عليه بين الرئيسين ووضع آليات تنفيذ واضحة له". وأوضح البيان أن الطرفين اتفقا خلال المباحثات على المضي في تنفيذ اتفاق العاشر من مارس/آذار الماضي، بما يشمل دمج "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ضمن صفوف الجيش السوري، في إطار عملية توحيد المؤسسات وتعزيز الأمن الوطني، مشيراً إلى أن الجانب الأميركي "أكد دعمه للتوصل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل يهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي". ورفعت الولايات المتحدة "الحظر الدبلوماسي" على السفارة السورية في واشنطن، مُنهيةً أكثر من عقد من الإغلاق، وهو ما عُدّ من النتائج الإيجابية للزيارة، ما سمح لسورية بـ"ممارسة دورها الدبلوماسي بحرية كاملة على الأراضي الأميركية ضمن خطة وزارة الخارجية السورية الاستراتيجية"، بحسب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في منشور على حسابه بمنصة إكس.

وفي مقابلة له مع قناة فوكس نيوز الأميركية، قال الشرع: "شاركنا في معارك كثيرة ضد تنظيم داعش خلال السنوات العشر الماضية وخسرنا كثيراً من الرجال في تلك الحرب"، مشيرا إلى أنه "من المهم أن نتحاور ونتفاوض مع واشنطن بشأن ملف داعش وكل ما يتصل بالأمن الإقليمي". كما قال إنه "يجب ألا يُنظر إلى سورية باعتبارها تهديداً أمنياً بل حليفاً جيوسياسياً ومجالاً لفرص استثمارية"، واعداً بـ"بذل قصارى جهدي" للحصول على معلومات عن المفقودين الأميركيين في سورية. وذكر أن سورية لن تدخل في مفاوضات حالياً للانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام" (اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل)، وذلك رداً على ما إذا كان يوافق على الانضمام للاتفاق بناء على رغبة ترامب، وقال: "الوضع لدينا مختلف عن الدول الموقعة، فسورية لها حدود مع إسرائيل التي تحتل هضبة الجولان منذ عام 1967. لن ندخل في مفاوضات حالياً، وربما تتوصل إدارة الرئيس ترامب إلى مثل هذا النوع من التفاهمات في المستقبل".

وكان من المتوقع أن تتمخض الزيارة عن توقيع سورية الانضمام بشكل رسمي إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة ولكن هذه الخطوة لم تتم، على الأقل بشكل علني، ولكن وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى قال إن سورية "وقّعت أخيراً إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي لهزيمة داعش، يؤكد دورها شريكاً في مكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار الإقليمي ويُعد الاتفاق سياسياً حتى الآن ولا يتضمن أي مكونات عسكرية". وأشار المصطفى إلى أن المناقشات "تركزت على توسيع التعاون الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأميركية إلى سورية وخطط رفع العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر"، إضافة إلى مناقشة "مسألة دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري ضمن الجهود الرامية إلى توحيد المؤسسات وضمان الاستقرار الدائم".

وكانت وزارتا الخزانة والتجارة الأميركيتان قد أعلنتا، أول من أمس الاثنين، تمديد تعليق تطبيق عقوبات قانون قيصر جزئياً لمدة 180 يوماً. وكتب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في منشور على "إكس"، أن قرار تعليق العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر يندرج ضمن رؤية إدارة ترامب لتعزيز "الاستقرار والسلام في المنطقة"، ولدعم مساعي الحكومة السورية لإعادة تنشيط اقتصاد البلاد بعد سنوات من الحرب. وأوضح أن واشنطن تنتظر من دمشق اتخاذ خطوات عملية لـ"طي صفحة الماضي" والمضي نحو تسوية شاملة.

وسادت تكهنات بأن زيارة الشرع إلى الولايات المتحدة ستحدث اختراقات جوهرية في العديد من الملفات لعل أبرزها رفع العقوبات الاقتصادية، والعلاقة بين سورية وإسرائيل التي تواصل التوغل في الجنوب السوري، وتريد اتفاقاً أمنياً على أنقاض اتفاق دولي أطاحته بعد سقوط نظام الأسد، إضافة إلى ملف "قسد" المعقد والتي لا تزال عند موقفها برفض الانضمام إلى الجيش السوري إلا وفق شروط ترى دمشق أنها تؤسس لتقسيم البلاد. ويبدو أن الظروف لم تنضج بعد لحل عُقد هذه الملفات، التي تقف حجر عثرة أمام الإدارة السورية الجديدة الساعية إلى إيجاد نهضة اقتصادية.

ودأبت الإدارة السورية الجديدة منذ تسلمها مقاليد الأمور في البلاد بعد سقوط الأسد، على إبداء مرونة وانفتاح على تنفيذ كل المطالب الأميركية من أجل رفع العقوبات المفروضة، فمن دون هذا الرفع لن يتقدم الاقتصاد ما يؤثر بشكل مباشر على السلم الأهلي والاستقرار الأمني. ورأى الباحث السياسي المقيم في الولايات المتحدة رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الرمزية السياسية هي الأهم في ما يتعلق بزيارة الشرع إلى الولايات المتحدة". واعتبر أن الملفات العالقة "يتم حلها على المستوى الوزاري"، مشيراً إلى أن انضمام سورية إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب "أمر مؤكد". وأعرب عن اعتقاده أن الزيارة مقدمة لإلغاء قوانين العقوبات، مضيفاً: مع نهاية العام الحالي سيكون إلغاء قانون قيصر نهائياً.

وتعليقاً على الزيارة، بيّن الباحث السياسي مؤيد غزلان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الملفات التي نوقشت خلال الاجتماع الذي عُقد بين الشرع وترامب ما زالت قيد الإنجاز التدريجي"، مشيراً إلى أن "الاطلاع على هذه الملفات بالتعاون بين الجانبين بدأ منذ أشهر قليلة، وبعضها يُعتبر ملفات حساسة، مثل الاتفاق الأمني مثلاً مع إسرائيل الذي يحتاج إلى جولات قادمة". وأضاف: "لهذا لا يمكن الحديث عن إنجاز فوري"، مشيراً إلى أن "ملف مكافحة الإرهاب ما زال في بدايته ويحتاج إلى ممهدات". وأعرب عن اعتقاده أن "زيارة الشرع إلى واشنطن هي تتويج للمكاسب الوطنية التي حصلت عليها سورية من مكافحة الإرهاب وتنظيم داعش، والحفاظ على الاستقرار والأمن الدوليين، وهذا عامل له أهمية والحفاظ على أدوات التهدئة تجاه إسرائيل وتجاه الدول الأخرى، والاستمرار في إبعاد المحور الإيراني".

تتقاطع مصالح سورية مع المجتمع الدولي

وتابع غزلان: "الملفات التي أنجزتها سورية بناء على مصلحتها الوطنية الداخلية خدمت من دون نية مسبقة المجتمع الدولي. ولأول مرة في التاريخ تتقاطع مصالح سورية الداخلية مع مصالح المجتمع الدولي". ورأى أن إسقاط نظام الأسد خدم المجتمع الدولي "الذي كان يؤرقه المحور الإيراني وتمدده في المنطقة، والذي أغرق العالم بالمخدرات التي وصلت إلى أميركا عبر المكسيك وإلى أوروبا ودول الخليج العربي التي أنهكتها هذه التجارة". وتابع: "لقد عجز المجتمع الدولي عن إنهاء ملف داعش وعن القضاء على الوجود الإيراني في سورية. الشعب السوري أنهى هذا الوجود، وفي هذا منفعة للعالم كله". وأوضح غزلان أن الحكومة السورية تشن حرباً على "داعش"، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية اقتنعت برؤية الحكومة السورية حول المقاتلين الأجانب في سورية، وأيّدت ضم عدة آلاف منهم إلى الجيش السوري.

وأشار غزلان إلى أن "تعاون الولايات المتحدة مع تشكيلات دون الدولة لمحاربة داعش لم يجد نفعاً"، مضيفاً: "هذه التشكيلات تحافظ على بقاء داعش كي تضمن بقاءها". ورأى غزلان أن زيارة الشرع إلى واشنطن "لم تكن لتُحدد إنجازات جديدة، فالإنجازات تمّت وهي في تقدم مهم"، مضيفاً: "من حقنا نحن السوريين رفع العقوبات عنا حتى نُعطى أدوات تمكينية للاستمرار في النجاح في هذه الملفات المفصلية بالنسبة للمجتمع الدولي". كما أوضح أن انضمام سورية إلى التحالف الدولي "كان مجسداً قبل اجتماع واشنطن"، مشيراً إلى أن الاجتماع "سرد للوقائع التي نجحت فيها الإدارة السورية وتثبيت لأدوات التهدئة التي تحافظ عليها الإدارة السورية لعدم نشوب أي نزاعات في المنطقة الجديدة تؤرق الشرق الأوسط والرؤية الاقتصادية الجديدة". وأعرب عن اعتقاده أن الولايات المتحدة "مهتمة بوجود سورية في الفلك المجتمع الدولي"، مضيفاً: "لكن سورية تحاول الحفاظ على سياسة التوازنات. واشنطن معنية بالحفاظ على سورية لاعباً استراتيجياً لمصلحة المجتمع الغربي، وموسكو مهتمة بالحفاظ على هذا اللاعب الاستراتيجي لمصلحة المجتمع الشرقي، وهذا نجاح للدبلوماسية السورية".