العدد 1642 /11-12-2024

مريم هايله

أظهر سقوط نظام بشار الأسد حجم هشاشة البنية التحتية في مختلف المحافظات السورية، وعلى رأسها العاصمة دمشق، التي يعاني سكان مختلف أحيائها من أزمات متفاقمة في الخدمات الأساسية.

يؤكد سوريون وجود ما يُشبه الانهيار في مختلف القطاعات الخدمية في العاصمة دمشق، وأن الأوضاع تفاقمت خلال الفترة التي سبقت تحريرها من قبل فصائل المعارضة، كما سادت حالة من الفوضى الأمنية الشوارع قبل وصول عناصر "إدارة العمليات العسكرية"، إذ وجد اللصوص الفرصة مواتية لنهب مؤسسات الدولة. تؤكد الدمشقية أماني بقلة أنّ التقنين الكهربائي كان يؤثر على حياتهم بشكلٍ مباشر، وأنهم يأملون أن يتغير هذا الوضع بعد تحرير دمشق.

وتضيف: "لا يتوفر وقود أو كهرباء، بينما حياتنا ترتبط بالطاقة، وقد أخبرنا أحد قادة إدارة العمليات العسكرية أنّهم سيقومون بتخفيف معاناتنا قريباً، وهذا ما ننتظره، فنظام الأسد حوّل منازلنا لسنوات إلى ما يُشبه السجون، لا ماء ولا كهرباء ولا وقود، وغالبية الناس لا يملكون شراء ألواح الطاقة الشمسية".

وفي منطقة كفرسوسة بوسط دمشق، سرق اللصوص محولات كهرباء، ليتركوا أهالي عدد من الأحياء من دون كهرباء. يقول ممدوح محروس، من حي اللوان، لـ"العربي الجديد": "استولى اللصوص المسلحون على محوّل الكهرباء الذي يمدُّ الحي بالتيار، وقاموا بتفكيك بعض القطع التي يمكن بيعها لاحقاً، مثل الأسلاك النحاسية، وجرى ذلك أمام أعين السكان الذين لم يستطيعوا التدخل لإيقافهم خشية السلاح الذي يحمله اللصوص".

بدأ الاستقرار الأمني في شوارع دمشق بعد انتشار الدوريات

وأثرت عمليات النهب بشكل مباشر على إمدادات الكهرباء السيئة أصلاً، ووصلت ساعات قطع الكهرباء إلى أكثر من 12 ساعة متتالية، مع محاولات لتوزيع الطاقة على كافة الأحياء بشكلٍ متساوٍ. يقول عماد الأغا، وهو أحد موظفي مركز الكهرباء: "نحاول إمداد مختلف الأحياء بالتيار، ونحن مُجبرون على توزيع ساعات التقنين على المنازل بشكلٍ عادل بعد سرقة عدد من المحولات الكهربائية".

في حي ركن الدين شمالي دمشق، لم يكن الحال أفضل، لكن أضيف إليه اقتحام مراكز الخدمة التابعة لشركتي الاتصالات "سيرياتيل" و"إم تي إن". ويؤكد الدمشقي، نضال الدوس أنّ "اللصوص قاموا بنهب الأجهزة الإلكترونية الموجودة في تلك المراكز، إضافة إلى السطو على بعض أبراج الاتصالات في المنطقة. نعاني كما كل سكان دمشق، من ضعف خدمات الاتصالات، ويعود ذلك إلى ثلاثة أسباب، الأول هو الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي، ما يؤثر على عمل أبراج التغطية، والثاني هو عمليات النهب التي طاولت عدداً من أبراج التغطية، والسبب الثالث هو عدم وجود موظفين في مراكز الخدمة ليقوموا بمعالجة الشكاوى والأعطال".

وبدت الفوضى التي خلّفها سقوط نظام الأسد واضحة في الشوارع، حيث انتشرت كميات من النفايات، قبل أن يبدأ أهالي المناطق حملات تطوعية لتنظيف الأحياء. تقول سوسن الفحل: "قام أهالي عدة أحياء طوعياً بالنزول إلى الشوارع لتنظيفها بعد الغياب التام لعمال النظافة".

وأكد عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق، قيس رمضان، في تصريحات صحافية، أنّ مدراء المديريات الخدمية عادوا إلى ممارسة عملهم في المحافظة، ومتابعة مختلف المواضيع التي تهم المواطنين، بداية من أعمال النظافة، لتحسين واقع الخدمات في الأحياء. ويضيف: "تعمل محافظة دمشق على تأمين مادة المازوت لوسائل النقل العام، بما فيها النقل الداخلي، كي تعود إلى العمل، وتأمين نقل الموظفين إلى أعاملهم، مع ضخ كميات إضافية ضمن إجراءات استثنائية لضمان استمرارية عمل وسائل النقل".

ومع دخول عناصر "حكومة الإنقاذ" إلى دمشق، أعلنت شركة "زاجل" للنقل العام، والتي كانت تعمل سابقاً في محافظة إدلب (شمال غرب)، تفعيل خط النقل الداخلي في العاصمة اعتباراً من العاشر من ديسمبر/كانون الأول، ما بدت آثاره سريعا على الحركة في الشوارع، فوسائل المواصلات لم تكن في أفضل حالاتها في سنوات حكم النظام الأخيرة، ومن لا يمتلك سيارة كان يعاني للتنقل مع غياب شركات النقل العام، الأمر الذي انعكس على حركة الموظفين وعمل مختلف دوائر الدولة.

وترجع رئيسة قسم التمريض بمشفى الكلى التابع لمشفى ابن النفيس بدمشق، يمامة دلة، غياب عدد كبير من الكوادر إلى عدم وجود وسائل نقل، مشيرة إلى أن أغلب العاملين يسكنون في المناطق المحيطة بدمشق. وتقول: "اتصلت بعدد كبير من الممرضات والممرضين العاملين في المشفى، وأكدوا لي أنّهم سيعودون إلى العمل بمجرد توفر وسائل النقل".

كان المازوت الغائب عن وسائل النقل العام حاضراً في محطات الوقود، لكنّ اللافت أنّ العديد من المحطات في حي "مشروع دُمر" وبعض المناطق الأخرى كانت تبيع المحروقات بالليرتين السورية والتركية، وبالدولار الأميركي أيضاً. ويقول الدمشقي سعد سلامة: "غالبية السكان لا يملكون عملات غير الليرة السورية، ومن النادر أن تجد من يمتلك الدولار، وإن وجدت العملة فهي من فئة المائة دولار".

ولا يقتصر استخدام تلك العملات على محطّات الوقود، فالعديد من المتاجر علّق لافتات الأسعار بالعملات السورية والتركية والأميركية. تؤكد رهام طعمة أنّ "السوريين لم يعتادوا من قبل على استخدام أي عملة غير الليرة السورية، حتى أنّ حيازة العملات الأجنبية كانت جريمة تعرّض مرتكبها للسجن في ظل النظام السابق".

أما الخبز الذي اعتاد السوريون على شرائه عبر ما يُسمى "البطاقة الذكية"، فقد تمكنوا من شرائه أخيراً من دون تلك البطاقة، لكن بلغ سعره 4000 ليرة، مع زيادة عدد الأرغفة في كل ربطة. تقول سوسن الفحل: "غالبية الأفران تعمل في دمشق، مع وجود بعض الزحام، وكلها تشهد حركة بيع نشطة، والمهم أنه لا وجود لمشكلات في توفر الخبز بعد أن أصبح بإمكان أي إنسان الحصول عليه من دون التعقيدات والقيود السابقة".

وعقد وزيرا الاقتصاد والتجارة الداخلية في حكومة الإنقاذ السورية، اجتماعاً في مقر اتحاد غرف التجارة بدمشق، وتقرر بعده فتح كل الأسواق التجارية، مع تأمين الحماية لها، إضافة إلى إقرار البيع وفق سعر السوق التنافسي، والسماح بتخليص البضائع السورية من الموانئ بآلية جديدة بعيدة عن القوانين والإجراءات السابقة، والتي كانت ترفع أسعار المواد المستوردة، ومن بينها الإتاوات التي كان يفرضها النظام السابق عبر المتعاونين. ولا يزال الأمن هو هاجس السوريين الأكبر في العاصمة بعد حالة الانفلات التي حدثت صبيحة هروب بشار الأسد من البلاد، وبدأت ملامح الاستقرار تظهر في شارع دمشق بعد انتشار الدوريات التي سيّرتها إدارة العمليات العسكرية، وعمليات سحب الأسلحة التي قامت بها بالاشتراك مع المجتمع المحلي.

أفراح سورية... الآلاف في الشوارع احتفالاً بسقوط النظام

ويؤكد سكان أنّ الدوريات الأمنية تنتشر في أغلب الشوارع، وأن عناصرها قاموا بإنهاء كل مظاهر السلاح في العاصمة، الأمر الذي ولّد حالة من الطمأنينة بين الأهالي الذين لزم الكثير منهم البيوت بعد انتشار جماعات مسلحة في الشوارع في اليوم الأول لسقوط النظام. وطالب عدد من مساجد دمشق السكان بتسليم الأسلحة التي بحوزتهم، أو التي وجدوها في الشوارع بعد فرار جنود الجيش والشرطة. وأظهرت مقاطع فيديو متداولة من المسجد الكبير في منطقة كفرسوسة، استجابة كثير من الناس، وتسليمهم المئات من قطع السلاح، والتي شملت بنادق رشاشة وقنابل يدوية، قبل أن يتم تسليم تلك الأسلحة إلى الجهات المختصة.

ونقل التلفزيون الرسمي السوري عن إدارة العمليات العسكرية تأكيدها أنّها شارفت على الانتهاء من ضبط الأمن في مناطق العاصمة، وحماية الممتلكات العامة، وأنّ الحكومة الجديدة ستبدأ أعمالها فور تشكيلها.

ويتطلع السوريون لمستقبل أفضل، خصوصاً على المستويين الأمني والمعيشي، إذ إنّ النظام السابق، ومنذ سيطرة حافظ الأسد على الحكم، حوّل كافة مقدرات البلاد للنفع الشخصي لعائلته والمقربين منه، مع حرمان غالبية السوريين من ثروات بلادهم بذريعة أنّ سورية دولة مواجهة، وأنّه يستعد للحرب مع إسرائيل، وهو الأمر الذي تكشف زيفه على مدار عقود، خصوصاً عقب عملية "طوفان الأقصى" والحرب الإسرائيلية على لبنان، إذ أظهر نظام الأسد حالة من عدم الاكتراث، ولم يتدخل بالمرة.