العدد 1549 /8-2-2023

بقلم : داود كتّاب

شهدت مدينة القدس في الأسابيع الماضية سلسلة من الاعتداءات على الحجر والبشر المسيحي من متطرفين يهود طبعاً، تحاول دائماً إسرائيل الادعاء بأنّهم متخلفون عقلياً، لكنّ الحقيقة أعمق من ذلك بكثير، فقد جرى الاعتداء وتحطيم الأيقونات وتمثال المسيح في كنيسة حبس المسيح في البلدة القديمة. وقبل ذلك، جرى اعتداء على شبان من حارة الأرمن. وقبله حدث اعتداء على شبّان مسيحيين في منطقة حارة النصارى، وبالذات عند باب الجديد، وقبل ذلك حطّم معتدون صلباناً في كنيسة البروتستانت.

جرت كلّ هذه الاعتداءات في البلدة القديمة من مدينة القدس، وعلى أيدي متطرّفين يهود، أحدهم يهودي أميركي. ولم تأتِ تلك الاعتداءات من فراغ، بل جاءت نتيجة تحريض مسموم وخطاب كراهية يحاول رسم فوقية واضحة لليهود على باقي الأمم كلها.

وقد بدأ الخطاب العنصري اليهودي منذ تأسيس الحركة الصهيونية وتجذّر بعد قيام دولة إسرائيل، خصوصاً في قانون العودة، والذي يوفر لكلّ إنسان على وجه الأرض له أم يهودية أحقية الهجرة إلى إسرائيل والحصول على جنسية، وكلّ مزايا المواطن الإسرائيلية، بل تتوفر له مزايا إضافية لما تسمّى "أولية olae"، أي من اختار الصعود إلى الأعلى بقراره الهجرة إلى دولة اليهود، حسب قولهم. وقد جرى تشريع تلك الأمور في أكثر من خمسين قانوناً عنصرياً سنّها البرلمان (الكنيست) الإسرائيلي، حسب دراسة لمؤسسة عدالة الفلسطينية، والتي تتخذ من حيفا مقرّاً لها. وقد كان أكثر تلك القوانين عنصرية القانون المعدل للقانون الأساسي، والذي سمّي "قانون القومية اليهودي" والذي وضع المواطن في دولة إسرائيل المنتمي للديانة اليهودية واللغة العبرية بمثابة أعلى من أي شخصٍ آخر، بمن فيهم مواطنون غير يهود في دولة إسرائيل.

العداء للمسيحية متجذّر في إسرائيل، لكن ما جرى في الأسابيع القليلة الماضية عكس زيادة كبيرة في خطاب الكراهية، والذي يعكس فكرة سيادة يهودية على كلّ أمر آخر. وقد كثُرت في الآونة الأخيرة الدراسات الدولية، والتي جاءت لدعم دراسات مؤسسات حقوقية فلسطينية، ركّزت على وجود تمييز عنصري واضح في المناطق ما بين النهر والبحر، وبذلك أطلق على إسرائيل عبارة أبارتهايد. وكان المجتمع الدولي قد اعتبر أنّ ما يجري في جنوب أفريقيا ضد السود تمييز عنصري أو أبارتهايد جرت صياغته بأنه جريمة حرب، حسب القانون الإنساني الدولي.

تأتي الاعتداءات على المسيحيين في القدس القديمة مكملة عنصرية مستمرّة ضد المسلمين، والتي تنعكس بالانتهاكات التي لا تتوقف لحرمة المقدسات الإسلامية، وبالذات الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى، وتشمل منع المسلمين من إدارة كاملة، وبحرية، مسجدهم، وتطويره لإجراء التصليحات وأعمال الصيانة الضرورية إلّا بإذن من المحتلّ الإسرائيلي.

ويؤثر موضوع الاعتداء على المسيحيين في القدس بصورة أكبر بكثير على ما تحاول إسرائيل استعراضه للعالم بأنها ضامنة حرية العبادة، وأنها تحترم الأديان، وتتبعها بأن القدس فسيفساء تمثل إثنيات وديانات مختلفة. وبمرور الزمن، واستمرار التشريع والخطاب الصهيوني العنصري، تغوّل الفكر المتعالي لليهود على كلّ من هو غير يهودي، فأصبح عادياً للشبان اليهود المتدينين في القدس القدوم إلى البلدة القديمة والعربدة فيها، حيث يسمع الجميع أقوالاً عنصرية مقيتة، تشمل الطلب من سكان القدس الأصليين ترك بيوتهم وبلدهم، لأن هذه دولة اليهود، وما إلى ذلك من عبارات عنصرية مقيتة.

آن الأوان للتصدّي ليس فقط للأعمال المشينة التي يقوم بها هؤلاء المتطرّفون، بل المطلوب استئصال الخطاب المقزز العنصري، والذي أصبح من الفكر اليومي، ومن الثقافة السائدة لدى المجتمع الإسرائيلي.