العدد 1480 /29-9-2021

عدنان عبد الرزاق

فعلتها المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، وفتحت، على غير جميع التوقعات، طاقة الفرج لنظام بشار الأسد، وخرجته من الحصار والعقوبات الاقتصادية بأقل الأضرار والأثمان.

فمؤشرات أعوام إجرام النظام السوري العشر، خلال قمعه ثورة السوريين وقتلهم وتهجيرهم، اتجهت إلى إيران وروسيا لقيادة كسر العزلة وإعادة تسويق الأسد، أو رجّح البعض أن تقوم دولة الإمارات، إقليمياً، بهذي المهمة.

ولكن، أن يقود الأردن هذا الدور النبيل، بعد أن كان ملكها عبد الله الثاني أول الناصحين لبشار الأسد، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2011، بالرحيل، فهذا ما لم يدرجه لا السوريون ولا سواهم على جدول التحوّط أو المفاجآت.

فأن يتم التعامي عن تهجير نصف السكان وقتل مليون سوري، بعد حرب على الحقوق، فاق زمنها الحربين العالميتين وزادت خسائرها عنهما، فهذا أول غيث عصر وكالة بايدن الديمقراطي للأردن، والتي، للأسف، تبنئ بالمزيد.

قصارى القول: في أول لقاء جماعي لحكومة الأسد خارجياً، وربما البداية للتطبيع العربي العلني، أنهى وفد وزاري سوري كبير ورفيع، اليوم، الاجتماعات الوزارية السورية الأردنية في عمّان بالتوافق على آليات عمل مشتركة وتفاهمات وجداول زمنية لتعزيز التعاون في مجالات التجارة والطاقة والزراعة والمياه والنقل، بعد بلورة تفاهمات لتعزيز التعاون الاقتصادي في مختلف المجالات "بما يعود بالفائدة على البلدين".

وربما ذهاب وزراء حكومة الأسد "الطاقة والمياه والنقل والزراعة" إلى المملكة الشقيقة، كان نتيجة طبيعية للمساعي التي يبذلها الملك الأردني منذ زيارته لواشنطن في يوليو/تموز الفائت، ودعوته الرئيس الأميركي جوزيف بايدن لتخفيف عقوبات قانون "قيصر" واستثناء الأردن مبدئياً، لأن "هناك استمرارية لبشار الأسد في الحكم، والنظام ما زال قائمًا، ولذلك، علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل نبحث عن تغيير النظام أم تغيير السلوك؟”.

واستمرت مساعي الملك الأردني في قيادة مشروع نقل الغاز المصري والإسرائيلي إلى لبنان، ومن ثم إلى أوروبا، عبر سورية، وستتوّج غداً بإعادة فتح معبر جابر/نصيب لتعود صادرات البلدين إلى مجاريها، وتبقى حقوق السوريين ومآسي تهجيرهم وقتلهم، بل وحتى 40 طنًّا من الحشيش وأكثر من 83 مليون حبة كبتاغون دخلت المملكة عبر سورية العام الماضي فقط، مسائل هامشية أمام المطلب الملكي بتغيير سلوك الأسد لاحقاً.

نهاية القول: على الأرجح، بواقع التبدلات والأقطاب الجديدة بالمنطقة، لم يعد للسوريين وقضيتهم، بالحرية والكرامة والعدالة بتوزيع الثروة، نصير أو مؤيد، وربما ما قاله رئيس لجنة المصالحة ضمن فريق تسويق الأسد عمر رحمون اليوم "فاتكم القطار يا معارضة" اختصار فج وموجع لمشهد يتبلوّر وسيغيّر، دونما شك، ملامح المنطقة ومفاهيم العدالة والديمقراطية والإنسانية.

بيد أن أسئلة تتوثب على شفاه السوريين، بل وشكوك تساور جميع طلاب الحرية في العالم، ما هو مصير قانون "قيصر" الذي أوجعت صوره الـ55 ألفا ضمير العالم بعد أن وثّقت مقتل 11 ألف ضحية في معتقلات نظام الأسد، وهل سيكون الأردن سباقاً بالتطبيع، العربي والدولي، مع نظام الإجرام بدمشق؟!!

لأن تلك الأسئلة على بداهتها شكلاً وربما بلاهة طرحها بعصر الاستقواء مضموناً، تشكل إجاباتها ملامح تعاط شعبي بالمرحلة المقبلة، لأن الواقعية التي يقودها الأردن الشقيق اليوم، كما عبر عنها رئيس الدبلوماسية أيمن الصفدي أمس، خلال دعوته إلى حوار روسي - أميركي، "سورية دولة عربية، والدول العربية هي الأكثر تأثرا بما يجري في سورية"، هي تفخيخ خطر لكامل المنطقة، عبر دعم الاستبداد وزيادة تحقين الشعوب وقمعها، والتي لن يكون الأردن الذي لا يزيد ناتجه الإجمالي عن 43 مليار دولار، وسبق أن شهد انتفاضات متتالية بعد دخول ثلث شعبه خانة الفقراء، بمنأى عنها.