العدد 1689 /12-11-2025
يوسف أبو وطفة
على الرغم من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
شهره الثاني على التوالي، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يعرقل عمليات وكالة
غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ويمنعها من العمل في القطاع، ويمنع أي
محاولات لإعادة الإعمار، بما في ذلك إعادة الحياة لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
وخلال حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، منذ
السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عمد الاحتلال إلى تدمير غالبية المخيمات
الخاصة باللاجئين في مختلف المناطق، سواء عبر القصف الجوي أو عمليات النسف والقصف
المدفعي، ومثل ذلك فعل في شمالي الضفة الغربية. وتبدو المساعي الإسرائيلية مرتكزة
على إجهاض أي دور لـ"أونروا" وتدمير قضية اللاجئين الفلسطينيين وأي
شواهد عليها، لا سيما مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي تضم مئات الآلاف من
السكان. وبحسب بيانات "أونروا"، فإن عدد مخيمات اللاجئين في القطاع
ثمانية، تنقسم جغرافياً من أقصى الجنوب إلى الشمال، في حين يقدر عدد اللاجئين في
غزة بنحو 1.7 مليون نسمة من إجمالي عدد السكان البالغ 2.2 مليون نسمة.
وخلال حرب الإبادة التي استمرت عامين ويومين، وضع
الاحتلال التهجير هدفاً من الأهداف التي سعى إلى تحقيقها، إلا أن ذلك لم يتحقق
بشكل كامل، من خلال عمليات النزوح الداخلي فقط، وفشل مخطط استقبال الدول
للفلسطينيين من غزة. لكن الاحتلال سعى إلى عرقلة عمل "أونروا" بشكل كبير
من خلال سنّه قوانين وتشريعات في الكنيست، علاوة على منعها حتى اللحظة من العمل
بأريحية عبر رفض التعاون معها ومنع إدخال قرابة ستة آلاف شاحنة مساعدات تنتظر عند
المعابر الحدودية.
وتُعتبر "أونروا" الوكالة الأممية
الأكبر التي تقدم الخدمات الإغاثية للفلسطينيين على مستوى الأراضي الفلسطينية
عموماً والقطاع على وجه الخصوص، وتسبب منع عملياتها حتى الآن في عرقلة الإغاثة
وانتقالها لصالح مؤسسات أممية أخرى أو جمعيات محلية وعربية.
وتعرضت مخيمات مثل يبنا في رفح، والشابورة،
للتدمير الكلّي على يد الاحتلال، فضلاً عن تدمير مماثل لمخيمي جباليا في الشمال
والشاطئ، غرب مدينة غزة، ودمار شبه كلّي لمخيمات مثل المغازي والنصيرات والبريج.
ويبدو مصير هذه المخيمات مجهولاً في ظل العرقلة الإسرائيلية لعمليات إعادة الإعمار
وحالة الرفض المتكررة لأي دور لوكالة "أونروا" في غزة، وهو الأمر الذي
سينعكس سلبياً على واقع مئات الآلاف من السكان. وحالياً يعيش معظم اللاجئين
الفلسطينيين حياة النزوح والتشرد في خيام والتي تغلب عليها المعاناة، نتيجة اهتراء
الخيام وعدم فتح المعابر وغياب الآلية الواضحة لعمليات الإعمار وإدخال المساعدات
والبيوت المتنقلة.
شهدت حرب الإبادة تدمير الاحتلال الإسرائيلي
للمخيمات الفلسطينية التي شكّلت شاهداً تاريخياً على قضية النكبة واللجوء للشعب
الفلسطيني لا سيما في قطاع غزة، وظلّت هذه المخيمات بمثابة شاهد مجتمعي ودولي على
هذه القضية. ورصدت "العربي الجديد" مجموعة من المخيمات التي تعرضت
للتدمير خلال حرب الإبادة على القطاع سواء بشكل كامل وكلّي بفعل العمليات العسكرية
الإسرائيلية أو عبر القصف الجوي المكثف خلال الحرب.
ويعتبر مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين أكبر
المخيمات الفلسطينية في القطاع، وقد تعرّض للتدمير. تبلغ مساحة المخيّم الإجمالية
نحو 1.4 كيلومتر مربع، وكان يضم قرابة 116 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون فيه. وخلال
الحرب، تعرض المخيم للتدمير الكامل بفعل العمليات العسكرية، حيث شنّ الاحتلال عليه
ثلاث عمليات عسكرية، بداية من أكتوبر 2023، مروراً بسعيه لتنفيذ "خطة
الجنرالات"، الرامية إلى ابتلاع المناطق الشمالية وتحويلها إلى منطقة عازلة.
أما المخيم الثاني الذي تعرض لأضرار تصل لنحو 80%
منه فهو مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، شمال غرب مدينة غزة، شمال القطاع، وهو
أحد أكثر المخيمات اكتظاظاً في القطاع، حيث يوجد فيه أكثر من 90 ألف نسمة وتبلغ
مساحته الإجمالية نصف كيلومتر مربع. وخلال عملية مدينة غزة العسكرية التي جرت قبل
الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار، كثّف الاحتلال استهداف المخيم، ما تسبب في
تدمير كبير طاول المناطق الشمالية منه بشكل شبه كامل إضافة لوسطه، ولم تسلم من
الدمار الكامل إلا الأطراف الجنوبية الغربية.
وفي وسط قطاع غزة، يقع مخيم البريج الذي يعتبر
واحداً من أكثر مناطق القطاع كثافة سكانية، إذ يقطنه اليوم نحو 50 ألف لاجئ
فلسطيني، يعانون بالأساس من أوضاع معيشية صعبة فاقمتها الحروب والحصار الإسرائيلي.
ويقع المخيم بالقرب من وادي غزة وكانت "أونروا" تدير فيه 13 منشأة تشمل
تسعة مبانٍ مدرسية تضم 12 مدرسة، إلى جانب مركز صحي، ومركز توزيع أغذية، ومكتبين
للإغاثة والصيانة، وخلال الحرب تعرض المخيم لدمار شبه كامل.
وفي منطقة الوسط أيضاً، يقع مخيم المغازي إلى
الجنوب من مخيم البريج، وقد تأسس عام 1949 ليكون مأوى للاجئين الذين نزحوا من
قراهم في جنوب ووسط فلسطين إثر نكبة عام 1948، ويُعد المخيم من أصغر مخيمات غزة
مساحةً وعدداً، ويقطنه أكثر من 35 ألف لاجئ. وخلال الحرب تعرض المخيم لأضرار جسيمة
جراء عمليات الاستهداف التي طاولته سواء عبر العمليات البرّية أو القصف الجوي
والمدفعي، ونال الشق الشرقي من المخيم القريب من الحدود النصيب الأكبر من الأضرار.
أما المخيم الثالث في وسط القطاع، فهو مخيم
النصيرات، ويُعدّ من أكبر المخيمات وأكثرها اكتظاظا، إذ يقطنه أكثر من 88 ألف
لاجئ. وقد استمد المخيم اسمه من قبيلة بدوية محلية. وتدير "أونروا" في
المخيم 17 منشأة، تضم 15 مبنى مدرسياً، تحتضن 26 مدرسة تعمل بنظامي الفترة الواحدة
والفترتين، إضافة إلى مركزين صحيين، ومكتبين للإغاثة والخدمات الاجتماعية داخل
المخيم وخارجه، ومركز لتوزيع الأغذية مشترك مع مخيم البريج. وخلال حرب الإبادة،
كان المخيم من المناطق الشاهدة على الكثير من تفاصيل العدوان، سواء عبر عمليات
القصف والتدمير، أو مع عملية تحرير الاحتلال محتجزين إسرائيليين، وارتكب خلالها
مجزرة راح ضحيتها 274 فلسطينياً وأصيب المئات، وذلك في الثامن من يونيو/ حزيران
2024.
وفي جنوب القطاع يقع مخيم خانيونس الذي تأسس عقب
نكبة 1948 حين لجأ إليه آلاف الفلسطينيين الذين هجّروا من قراهم. كان عدد سكانه
قبل حرب الإبادة يبلغ نحو 96 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون في مساحة محدودة. وخلال حرب
الإبادة تعرض المخيم للدمار جراء العمليات العسكرية المتكررة في تلك المنطقة والتي
امتدت لشهور طويلة، حيث نسف الاحتلال مناطق واسعة منه ودمّر البنية التحتية بشكل
كبير بالرغم من بقاء وجود واحتماء آلاف النازحين لفترات طويلة فيه.
وإلى أقصى الجنوب قرب الحدود المصرية، يقع مخيم
رفح الذي تأسس عام 1949 ليكون مأوى للاجئين، ومع مرور العقود، توسّع تدريجياً حتى
تداخل مع مدينة رفح، خصوصاً بعد انتقال آلاف اللاجئين إلى مشروع الإسكان في تل
السلطان المجاور. ويُعد الاكتظاظ السكاني أبرز مشكلات المخيم، حيث يعيش أكثر من
138 ألفاً و969 لاجئاً فيه، داخل أزقة ضيقة ومساكن متلاصقة، ما يفاقم معاناتهم
اليومية ويزيد الضغط على البنية التحتية والخدمات العامة. وخلال حرب الإبادة
الإسرائيلية على غزة، وتحديداً مع العملية العسكرية الإسرائيلية في المدينة بتاريخ
السابع من مايو/ أيار 2024، دمّر الاحتلال منطقة رفح بالكامل واحتلها بما في ذلك
مخيم المدينة والمخيمان المتفرعان منه، سواء يبنا أو الشابورة.
تصفية "أونروا" وقضية اللاجئين
ورأى المدير العام لـ"الهيئة 302 للدفاع عن
حقوق اللاجئين الفلسطينيين"، علي هويدي أن هناك رؤية استراتيجية للاحتلال
للتخلص من قضية اللاجئين في محاولة لتبرئته من أعمال النكبة والتطهير العرقي،
مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال لا يتورع عن استخدام أي
حجة للتخلص من قضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث يوجد ثمانية ملايين لاجئ فلسطيني،
منهم ستة ملايين لاجئ مسجلين في سجلات "أونروا".
وبحسب هويدي، فإن من بين الأهداف الاستراتيجية
للاحتلال التخلص من "أونروا" وفكرة المخيم الفلسطيني، وهو ما فعله في
القطاع حيث توجد ثمانية مخيمات رسمية معترف بها، وجرى تدميرها بشكل كامل لدرجة أنه
لم تعد تُعرف حدود هذه المخيمات. وأشار إلى أن "أونروا" كانت قبل حرب
الإبادة تقدم الخدمات لنحو 1.7 مليون نسمة وفقاً لسجلاتها الرسمية في القطاع، بما
يشمل خدمات التعليم والصحة والنظافة والبيئة وفرص العمل المؤقتة. ولفت إلى أن
الاحتلال دمّر 18 مركزاً صحياً لـ"أونروا" في القطاع، فضلاً عن تدمير
أكثر من ثلثي مدارس الوكالة في غزة حيث تبلغ أعداد المدارس التابعة للوكالة
الأممية 284 مدرسة، وتستقبل ما يقرب من 300 ألف فلسطيني.
مخطط استراتيجي
من جهته، اعتبر مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات
الاستراتيجية أحمد الطناني أن سياسة تدمير المخيمات الفلسطينية من قبل الاحتلال
تأتي في إطار مخططٍ استراتيجي يستهدف تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، باعتبارها
من "أبرز الشواهد على نكبة الشعب الفلسطيني، وعلى عدم شرعية الكيان الذي قام
على التطهير العرقي". وأوضح الطناني في حديث لـ"العربي الجديد"، أن
تدمير المخيمات ليس عملاً عسكرياً معزولاً، بل هو جزء من سياسة إسرائيلية ممنهجة
تهدف إلى محو الذاكرة الجمعية الفلسطينية، وإزالة الشواهد المادية على النكبة وحق
العودة.
ووفقاً لمدير مركز عروبة، فإن هذه السياسات تتقاطع
مع الاشتراطات الإسرائيلية المتوقعة لمرحلة إعادة إعمار غزة، والتي يُرجّح أن تركز
على إلغاء هوية المخيمات بوصفها مناطق لجوء، وتحويلها إلى أحياء مختلطة سكانياً،
في خطوةٍ تُفضي إلى إنهاء وجود وكالة "أونروا" باعتبارها مقدِّمة خدمات
للاجئين، وتحويل صلاحياتها إلى هيئات دولية أخرى. وأكد أن كل هذه المسارات من
تدمير المخيمات وتجفيف تمويل "أونروا"، وصولاً إلى إعادة تشكيل الواقع
الفلسطيني، تتكامل في إطار "مخطط الحسم الإسرائيلي" الهادف إلى تصفية
قضية اللاجئين وتفتيت الهوية الوطنية الفلسطينية، عبر دفع الفلسطينيين نحو كيانات
محلية وعشائرية تُضعف وحدتهم وتُبدّد كينونتهم السياسية.