أيمن حجازي

اﻻنتخابات البلدية واﻻختيارية التي حصلت في اﻷسابيع الثلاثة الماضية خاضتها القوى السياسية الرئيسية في البلد في اطار التمهيد للاستحقاقات القادمة التي يتقدمها اﻻستحقاق الرئاسي الضائع ويليه الاستحقاق النيابي المفترض اجراؤه في ربيع العام المقبل. 
وبات الجميع يعلم أن اﻻستحقاق اﻷول عالق على خطوط التوتر العالي في المنطقة بعد أن ارتضى الجمع اﻷكبر من الساسة اللبنانيين أن يخضع اﻻستحقاق الرئاسي للاعتبارات السياسية الخارجية. أما اﻻستحقاق الانتخابي النيابي، فإنه عالق في أتون البحث عن القانون اﻻنتخابي الملائم للمصالح المتناقضة للقوى السياسية والطائفية المختلفة، وهذا ما يجعل الوصول الى هذا القانون مهمة مستحيلة.
   وتبدو هذه اﻻستحالة قائمة في ظل غياب المعيار الأساسي السليم الذي ينبغي أن يعتمد في اطار البحث عن قانون انتخابي أمثل، أﻻ وهو «صحة التمثيل» بدلاً من البحث عن «التوازن في التمثيل النيابي» الذي يخفي في طياته جملة المصالح الطائفية والحزبية والسياسية المتداخلة. ويخشى  العديد من الساسة والقادة الذين كانوا يفبركون عمليات التمديد للمجلس النيابي الحالي من أن اجراء اﻻنتخابات البلدية واﻻختيارية لن يبقي حجة ﻷنصار التمديد للمجلس النيابي الحالي، فضلاً عن الطعن بالمدة الباقية من عمر المجلس النيابي الحالي التي يجب أن تسقط بعد سقوط اﻷسباب التي دعت الى عدم اجراء اﻻنتخابات النيابية في مواعيدها المحددة. 
ويبرز هنا الإشكال الذي يطرحه وزير الداخلية نهاد المشنوق، القائل بعدم منطقية حصول اﻻنتخابات النيابية قبل اﻻنتخابات الرئاسية، في الوقت الذي يأمل فيه العماد ميشال عون اجراء اﻻنتخابات النيابية قبل اﻻنتخابات الرئاسية بتعديل ميزان القوى داخل المجلس النيابي لمصلحته، ما قد يفسح في المجال أمام وصوله الى قصر بعبدا. 
ﻻ يبدو أن هناك مستجدات كبيرة أو مهمة في ميزان القوى الذي ظهر في الجوﻻت اﻻنتخابية البلدية الثلاث، خصوصاً في الساحة الإسلامية حيث حافظت معظم القوى على أحجامها السابقة مع تعديلات طفيفة لمصلحة هذه القوة أو تلك، وهذا ما ينطبق على «تيار المستقبل» والحزب التقدمي اﻻشتراكي وحركة أمل وحزب الله والجماعة الإسلامية... أما في الساحة المسيحية، فإن الجديد هو المترتب على «اتفاق معراب» حيث القوات اللبنانية تحالفت في مناطق كثيرة مع التيار الوطني الحر، وعجزت عن ترجمة هذا التحالف في مناطق أخرى. وجاء هذا المستجد على حساب العلاقة مع حلفاء سابقين مثل دوري شمعون في الشوف وتيار المستقبل في بيروت، وبطرس حرب في البترون. وقد أكدت اﻻنتخابات البلدية اﻷخيرة أن ميشال عون وسمير جعجع مصران على استكمال ما أُعلن في معراب في الثامن عشر من كانون الثاني الماضي أياً تكن الصعوبات.
ستنتهي اﻻنتخابات البلدية واﻻختيارية بعد أيام، وينتهي كل فريق سياسي وطائفي وحزبي من تجميع أوراقه الرابحة والخاسرة على حد سواء، اﻻ أن الإحراج سيكون كبيراً لدى الساسة والقادة في اطار الحديث عن اﻻستحقاق الرئاسي التائه وعن اﻻستحقاق النيابي الذي يبحث عن مستقر له في أجندات التمديد الخائب، حتى تصبح صورة البلد وكأنه مخلوق عجائبي مشوه وقد سنحت الفرصة لإجراء انتخابات بلدية واختيارية وبقيت اﻷبواب موصدة في وجه اﻻنتخابات الرئاسية واﻻنتخابات النيابية.