أيمن حجازي

وحيداً يقف سمير جعجع في الرابع عشر من آذار 2018 محتفلاً بالذكرى السنوية الثالثة عشرة لوﻻدة معسكر الرابع عشر من آذار في عام 2005، وذلك ليعلن مرشحي حزبه في كامل الدوائر اﻻنتخابية، بعد أن تبعثرت المكونات السياسية لذلك المعسكر كل في اتجاه يلائم ظروفه السياسية الخاصة. وكان أول الخارجين من ذلك المعسكر النائب وليد جنبلاط اثر انتخابات 2009 النيابية، ثم برز التململ الكتائبي في الصفوف تحت عنوان الشكوى من تفضيل تيار المستقبل وتقديمه للعلاقة مع «القوات اللبنانية» على العلاقة مع حزب الكتائب.
وقد استمر الكيان العام لهذا المعسكر قائماً ما دام تيار المستقبل محتضناً لمكونات المعسكر الذي بقيت أمانته العامة بشخص فارس سعيد ورفاقه رأس حربة إعلامية حادة في وجه الخصوم. وكانت الضربة القاسية للرابع عشر من آذار من خلال انقلاب النائب وليد جنبلاط وانخراطه في التحالف المكون لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي في عام 2011 على أنقاض حكومة الرئيس سعد الحريري التي سقطت باستقالة وزراء معسكر الثامن من آذار في نهاية عام 2010، من تلك الحكومة. 
 في اﻷعوام التالية بدا تيار المستقبل متمسكاً بأشلاء الرابع عشر من آذار، كقاعدة للمواجهة السياسية الشرسة التي وقعت في تلك المرحلة التي تلت خروج الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة. ولكن إبّان الفراغ الرئاسي بين عامي 2014 و2016 وبعد نجاح معسكر الثامن من آذار في تكريس واقع أن تكون الرئاسة اﻷولى من نصيب أحد أقطابه، حصل تسابق بين تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية على تبني المرشح الرئاسي المطلوب، وبدأت الشروخات تظهر في العلاقة التي تربط بين الجانبين. وقد أدى ميل الرئيس الحريري الى خيار النائب سليمان فرنجية مرشحاً للرئاسة اﻷولى في خريف عام 2015، إلى تبني سمير جعجع لترشيح العماد ميشال عون للرئاسة اﻷولى في كانون الثاني 2016. وقد برز في تلك اللحظة السياسية أن حزب القوات اللبنانية بات يقدم علاقته المسيحية على علاقته بمكونات الرابع عشر من آذار التي تباعدت بما فيه الكفاية. وقد طمح جعجع من خلال إعلان معراب الى قطع طريق بعبدا على سليمان فرنجية، وإلى قيام ثنائية مسيحية بين حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، ما يمكن أن يعزز موقع القوات على الساحة السياسية اللبنانية. 
ولكن إنهاء الفراغ السياسي لم يحصل إﻻ بعد نحو تسعة أشهر من إعلان تفاهم معراب، وذلك عندما أعلن الرئيس سعد الحريري تبنيه ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية... وقد اكتشف سمير جعجع، ولو متأخراً، أن التفاهم بين نادر الحريري وجبران باسيل أشد رسوخاً من التفاهم بين ملحم الرياشي وإبراهيم كنعان، وذلك ﻷسباب ليست شخصية أبداً، بل هي الحسابات السياسية التي تجعل التفاهم بين الكبار (المستقبل والتيار الوطني الحر) أجدى من التفاهم بين قوى متفاوتة الحجم ذات لون طائفي واحد، وأن التاريخ التنافسي الصاخب بين العونيين والقوات ليس غائباً عن الذاكرة وﻻ عن القرار السياسي المتخذ. 
انها اطلال الرابع عشر من آذار التي ترخي بظلالها على حفل إعلان مرشحي حزب القوات اللبنانية بعد أن ضاقت مساحات التحالف مع تيار المستقبل والحزب التقدمي اﻻشتراكي وبعد أن غدت العلاقة مع حزب الكتائب ﻻ تغني وﻻ تسمن من جوع، وبعدما جرى وأد الثنائية المسيحية الموازية للثنائية الشيعية في المهد تحت وطأة الشعور بالتفوق العوني - الباسيلي المتصاعد.