بلال الطبعوني

بين الحين والآخر تطل علينا تصريحات من هنا وهناك، تشير بشكل أو بآخر إلى مضامين عنصرية تحت مسمى الهوية اللبنانية. وهذه التصرحات التي تلقى عادة ردود أفعال كثيرة، لا يمكن المرور بها مرور الكرام، لأنها تحمل في طياتها وبين سطورها «هواجس» أو مخاوف لدى «المسيحيين على وجودهم في الشرق»، باعتبار أن لبنان يعتبر من القلاع القليلة الباقية لهم في الشرق، غير أن هذه المخاوف يتم التّعبيرعنها بشكل عنصري فاضح، ويجري تعميمها على اللاجئين الفلسطينيين أو النازحين السوريين بعناوين «الثقافة والهوية»، باعتبار أنهم يهددون الوجود المسيحي في لبنان، وهذا غير صحيح.
في آخر المواقف حول هذا الموضوع، اعتبر البطريرك الماروني بشارة الراعي أن «هناك خطراً كبيراً يحدق بلبنان بسبب العدد الهائل للنازحين». وقال إن عدد السوريين وصل الى نحو مليون ونصف المليون سوري معظمهم من «الغالبية السنية»، وهذا العدد يرتفع سنوياً، أضف الى ذلك نصف مليون «لاجئ فلسطيني».  وأضاف الراعي، في محاضرة له عن «مستقبل المسيحيين في بلدان الشرق الأوسط»، أن «الخطر هنا هو اقتصادي وثقافي وامني وسياسي». 
كلام البطريرك الراعي الذي أكد فيه أن معظم النازحين هم من «السنّة»، وكذلك اللاجئون الفلسطينيون، يبدو واضحاً أنه يلمح فيه إلى الخوف من التغير الديموغرافي والمذهبي في لبنان، خصوصاً أن عدد المسيحيين يتضاءل أمام التزايد السكاني الكبير للمسلمين، وعليه فإن التهويل والتضخيم الكبير لمسألة وجود اللاجئين أو النازحين في لبنان أصبح الهدف منه واضحاً، حتى ولو أراد البعض إظهار العكس.
 كذلك فإذا ظهرت بعض التصرفات الإرهابية التي تهدد الأمن اللبناني من أفراد سوريين أو فلسطينيين، فهذا لا يعني أن نعمم المسألة على الجميع، خصوصاً أننا نعلم أن معظم النازحين السوريين هم من العائلات التي تضم الأطفال والنساء وكبار السن، وأقصى همهم هو لقمة العيش والحياة الهادئة، ولا أظن أصلاً أنهم في غاية السعادة بعدما هجروا وشردوا من بيوتهم وضاعت ممتلكاتهم وجاؤوا ليعيشوا في غير وطنهم. 
آخر فصول العنصرية كان قضية مخيم الريحانية، حيث يجري العمل على إخراج نحو ثلاثمئة عائلة منه، معظمها عائلات فاقدة للمعيل، ويشكل الأطفال والنساء ثمانين بالمئة من مجموع نزلاء المخيم، فضلاً عن وجود العجزة وكبار في السن، وجميع هذه العائلات ليس لها مأوى آخر غير هذه الخيام. 
غير أن التدخلات السياسية والمناشدات الإنسانية من قبل جمعيات وهيئات دينية ومدنية حالت دون إخلاء المخيم والتريث قليلاً ريثما يتم الاتفاق على صيغة مقبولة.
وإذا أردنا أن نستفيض في موضوع العنصرية، فلا بدّ أن نعرج على وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، الذي أطلق في أكثر من مناسبة تصريحات ومواقف عنصرية تجاه اللاجئين السوريين والفلسطينيين. 
فقد شن في أحد التصريحات هجوماً على النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين متهماً إياهم بأنهم «يأخذون مكان اللبناني». وقال باسيل: «إننا سنحافظ على كل شبر من ارضنا وعندما نقول لا نريد نازحين سوريين وفلسطينيين يأخذون مكاننا، هو أمر يجب تكريسه بالفعل وليس بالقول، فبوجودهم وبعملهم وبعيشهم يأخذون مكان اللبناني». 
وقال أيضاً في موضوع  منح المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها: «أنا مع إقرار قانون منح المرأة الجنسية لأولادها لكن مع استثناء السوريين والفلسطينيين للحفاظ على أرضنا»!! فهل هناك مواقف وتصريحات عنصرية أكثر من ذلك.
في النهاية، نأمل أن تنتهي الأزمة السورية على خير، وأؤكد أنه لن يبقى في لبنان أي نازح سوري، أما في موضوع اللاجئين الفلسطينيين، فقد أصبحوا فئة منتجة ومشاركة في الحياة الاجتماعية اللبنانية، ولا يشكلون حالة سلبية أو هوية مختلفة. وإذا كان الخوف من مشروع توطين، فالفلسطينيون لا يرغبون فيه، ويحلمون بالأقصى وفلسطين ليل نهار، لكن كل ما يطلبونه، بعض الحقوق الإنسانية الطبيعية التي هي حق أي إنسان، مثل حق العمل أو التملك.