العدد 1393 / 1-1-2020

كما اعتاد اللبنانيون على التدخلات الخارجية في شؤونهم الداخلية ، فإنهم اعتادوا أيضا على المعالجات الخارجية لمعضلاتهم الكبيرة . وهذا ثابت في التاريخ اللبناني الحديث ، أو التاريخ المتدحرج في القرنين الأخيرين من الزمن . وهذا ما جرى عندما تم إبتداع نظام القائمقاميتين في عام ١٨٤٠ إثر تدخل عسكري للأساطيل البريطانية والروسية والبروسية في ذلك العام . أو عندما تم إستيلاد نظام المتصرفية بعد فتنة ١٨٦٠ وحدوث تدخل عسكري أوروبي مشابه لما حصل في العام ١٨٤٠ . حتى في أزمات ما بعد الإستقلال فإن ثورة ١٩٥٨ ، قد عولجت بإنتخاب الجنرال فؤاد شهاب في ما أعتبر تسوية أميريكية - مصرية أعادت إنتظام أمور الدولة اللبنانية .

ومع إندلاع الحوادث بين المخيمات الفلسطينية والجيش اللبناني في نيسان من عام ١٩٦٩ وإستقالة وإعتكاف رئيس الحكومة آنذاك الشهيد رشيد كرامي ، فإن المسعى المصري الذي أفضى الى توقيع "إتفاق القاهرة" بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية هو الذي أنهى تلك الأزمة السياسية الشهيرة . ومع إندلاع الحرب اللبنانية في عام ١٩٧٥ ، إستمرت المساعي والمبادرات الى أن أثمرت الجهود في خريف ١٩٧٦ ومن خلال قمتي الرياض والقاهرة وأنتجت صيغة "قوات الردع العربية" بغالبيتها السورية المرجحة ... و كان إنهاء حرب السنتين (١٩٧٥ و١٩٧٦) قرارا عربيا رسميا بموافقة دولية لمعالجة الإنفلات الأمني وحسب ، دون الإقتراب من التسوية السياسية المتوخاة . أما خاتمة الحرب المباشرة فقد كانت في إتفاق الطائف في خريف عام ١٩٨٩ الذي إحتاج الى مخاض عسكري وسياسي إستمر لأكثر من عام . تحولت بعدها وثيقة الطائف الى دستور ثابت تقوم الحياة السياسية اللبنانية على أساسه . ولكن دستور الطائف هذا إحتاج الى تمتين وتحصين من خلال إتفاق الدوحة في ربيع عام ٢٠٠٨ ، الذي حصل على تغطية إقليمية ودولية مشتركة أكدت أن المعالجة الخارجية للأمراض اللبنانية ما زالت قائمة .

أما في المرحلة التالية التي شهدت عدة إضطرابات سياسية ، امتدت منذ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في أواخر عام ٢٠١٠ تحت وطأة الخلاف على المحكمة الدولية التي شكلت إثر إ غتيال الرئيس رفيق الحريري وتواصلت بعد الفراغ الرئاسي في ربيع عام ٢٠١٤ ... فقد كانت مرحلة تراجعت فيها المعالجة الخارجية وأفسح فيها المجال أمام ولادة صفقة محلية الطابع بين طرفين سياسيين كبيرين هما تيار المستقبل والتيار الوطني الحر ، سميت بالتسوية الرئاسية .وقد حظيت هذه التسوية على حالة من عدم الممانعة من قبل الجهات الإقليمية والدولية المعنية بالوضع اللبناني . ما شكل تراجعا بارزا في تاريخ المعالجات الخارجية للأزمات اللبنانية المتوالدة.

كانت تلك المعالجات الخارجية للأوضاع اللبنانية تنطوي في كثير من منطلقاتها على توافق خارجي على عدم الموافقة على تقسيم البلد . أما وقد انحسرت هذه المعالجة وغابت فعاليتها أو اضمحلت ، فهل يعني ذلك أن الفرصة باتت متاحة أمام شكلٍ من أشكالِ التقسيم الذي قد يتم تحت عنوان الفيدرالية أو اللامركزية الموسعة ؟ وهل بات العقم في الوصول الى حلول سياسية ذاتية لبنانية معبرا لحصول هذا الإنقسام الذي قد يتم تحت وطأة الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تكاد تسقط المجتمع اللبناني بمعظمه تحت خط الفقر ؟

ثمة مقاربة مختلفة لهذا الموضوع ، مفادها أن السياسة الأميريكية الحريصة على المصلحة الصهيونية ، قد تميل الى اعتبار أن تجزئة الكيان اللبناني أفضل من وقوعه بالكامل في قبضة قوى معادية لسياساتها في المنطقة . و طالما أن الإجتياحات العسكرية البرية باتت محذوفة من إستراتيجيات الصهاينة بعدما أكتووا بنار المقاومة اللبنانية منذ عام ١٩٨٢ ... وأن الإجتياحات الجوية الصهيونية باتت تقابل بردود فعل مقاومة تؤلم الداخل الصهيوني آلاما كبيرة في لبنان وفي غزة هاشم ... للأسباب الآنفة الذكر وللعديد من الإعتبارات الإقليمية والدولية المضافة يطرح السؤال التالي : هل بتنا على أبواب صيغة تهدد وحدة لبنان الكبير قبيل إتمام هذا الكيان لقرنه الأول من الزمن ؟ سؤال تشاؤمي قد يرى البعض أنه من غير اللائق طرحه ، ولكنني أشعر بحاجة ماسة الى البوح به .

ايمن حجازي