العدد 1373 / 7-8-2019
أيمن حجازي

الأزمة السياسية المنطلقة من حادثة قبرشمون ليست كسابقاتها من الأزمات السياسية التي عصفت بالبلد منذ بداية العهد الحالي الذي يترأسه العماد ميشال عون . فهي أزمة أكثر عمقا وأشد تعقيدا من أزمات سابقات ، إنكشفت فيها بعض الجذور التي تتحكم بعلاقات القوى السياسية الرئيسية في البلد . وهي علاقات لم تتحرر من ثقل الماضي القريب الذي كان يفرز الساحة السياسية وفق معسكري الثامن والرابع عشر من أذار مع تعديل جوهري يطال علاقة حركة أمل وتيار المردة من جهة والتيار الوطني الحر من جهة ثانية .

فتيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي وحزب القوات اللبنانية ما زالوا على عهد الوفاء لمعسكر الرابع عشر من أذار . والتيار الوطني الحر وحزب الله ما زالا على حنينهما الثابت الى معسكر الثامن من أذار ، والثغرة هنا كامنة في أن الإعتبارات المحلية في علاقات أمل والمردة مع الوطني ليست على ما يرام ، وأن كانت في طورها الإقليمي الممسوك سوريا وإيرانيا جيدة وسليمة حتى هذه الساعة . وقد فعلت هذه الثغرة فعلها منذ الإنتخابات الرئاسية التي أجريت في خريف عام ٢٠١٦ أي قبل ثلاث سنوات ، لا بل إنها إتسعت بعض الشيء لتصل قبل حوالي العام الى ذروتها السلبية حين إتهم وزير الخارجية جبران باسيل رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالبلطجة السياسية متوعدا بالتصدي له ولمواقفه . وهذا ما أنتج موقفا سياسيا لحركة أمل بعيدا عن موقفي حزب الله والتيار الوطني الحر من حادثة قبرشمون . ما أدى الى حجب تأييد الرئيس بري وحليفه سليمان فرنجية لإحالة حادثة قبرشمون المشار اليها على المجلس العدلي وهو ما يطمح اليه الأمير طلال ارسلان ومن خلفه التيار الوطني الحر . كما أن علاقات الوزير جبران باسيل بالنائب السابق سليمان فرنجية وصلت الى الحضيض بعد تراكم الإستفزازات المتنوعة التي يتحدث عن ثقلها أنصار فرنجية . وهذا ما أدى الى عدم تجاوب الزعيم الزغرتاوي ( حتى هذه الساعة )مع طلبات حليفه الإرسلاني بتأييد إحالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي في مجلس الوزراء المفترض إنعقاده في زمن من الأزمان..

أما من ناحية معسكر الرابع عشر من آذار ، فإن أركانه المشاركين في الحكومة الحالية من خلال تيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي وحزب القوات اللبنانية يشعرون بالخطر الزاحف باتجاههم من قبل قيادة جبران باسيل للتيار الوطني الحر . إلا أنهم يدركون أن قوتهم الكبرى ممثلة بتيار المستقبل غير قادرة على تصليب موقفها من التيار الوطني الحر ، ولا تجد بديلا عن المهادنة في مواجهة التحسب لإحتمالات الخروج من السراي الكبير بعد ثلاث سنوات عجاف من العودة اليها كانت عبارة عن سفرجلة قاسية " كل نتشة منها بأكثر من غصة " . وبالتالي فان حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي يفتقدان الظهير القوى في دائرة الرابع عشر من أذار في مقابل صلابة ومتانة أو قوة فائضة في مواقف حزب الله والتيار الوطني الحر اللذين يمتلكان حلفاء بأصوات عالية وأصابع مرفوعة في كل إتجاه . علما أن فريق الرابع عشر من أذار قد استفاد في أكثر من مناسبة من الشرخ القائم بين مكونات الثامن من آذار ، التي تتحرك تحت عنوان التحالف القديم بين نبيه بري ووليد جنبلاط والقائم منذ ٦ شباط ١٩٨٤ حسب مقولة العديد من المقربين للرجلين . أو أنها تتحرك في بعض الأحيان بين الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري كعنوان لسلامة العلاقات المذهبية بين السنة والشيعة في لبنان .

لا يبدو أن الأزمة الحالية كسابقاتها من الأزمات ، خصوصا إذا صح تقدير البعض بأن الطرف الأقوى في هذه الأزمة وهو التيار الوطني الحر وحلفاؤه عاقدو العزم على محاسبة وليد جنبلاط حسابا عسيرا على كل مشاغاباته المتكاثرة في السنوات الماضية التي وصلت في إحداها الى خرق الخطوط الحمراء من خلال طعن سيد قصر المختارة بلبنانية مزارع شبعا ما دفع بغريمه الشهير في معركة عين دارة نقولا فتوش ( آنذاك) الى إتهامه بالخيانة العظمى . فهل يصح هذا التقدير وهل يصح معه التالي :

- ان تتأمن معطيات تحييد الرئيس نبيه بري وإخراجه من دائرة تأمين النصرة لوليد جنبلاط ؟

- أن تتأمن معطيات تحييد الرئيس سعد الحريري وإخراجه من دائرة تأمين النصرة لوليد جنبلاط ؟

- أن تتأمن معطيات تحييد الشارع الدرزي والجبل الدرزي وإخراجه من دائرة إحتضان إبن كمال جنبلاط وحفيد نظيرة جنبلاط ؟

- أن تتأمن المعطيات القضائية التي تؤمن الإدانة السياسية للنائب السابق الفاقد لحصانته وليد بيك جنبلاط ؟

ايمن حجازي