العدد 1377 / 11-9-2019
أيمن حجازي

عبرت الساحة الداخلية في الشهرين الأخيرين عدداﹰ من العقبات الكبرى التي اعترضت طريق الحكم والحكومة والعهد . وتمكن الجميع بانسيابية متفاوتة من تجاوز هذه المصاعب برعاية من مصلحة دولية - إقليمية متداخلة تقتضي باستمرار حالة الهدوء النسبي التي تحكم الأجواء اللبنانية وتحول دون وقوع أي إنفجار سياسي في أوضاع البلد . وكانت معضلة - حادثة قبرشمون قد عطلت العمل الحكومي ما يقارب الشهرين ، ثم جاء العدوان الصهيوني الفاشل عبر الطائرتين المسيرتين على الضاحية الجنوبية ليعزز مناخ المصالحة الذي أبتدأ بلقاء بعبدا بين وليد جنبلاط وطلال ارسلان برعاية مباشرة من الرؤساء الثلاثة عون وبري والحريري .

وقد تكرست هذه المصالحة في المقر الرئاسي الصيفي في قصر بيت الدين حيث التقى رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وفتحت صفحة جديدة بين الجانبين . وشهد الأسبوع الأخير لقاءين هامين على طريق المصالحة ، أولهما في اللقلوق وثانيهما في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة . وقد ضم اللقاء الأول النائب تيمور جنبلاط والوزير جبران باسيل ، حيث من المفترض أن تكون الأبحاث بين جنبلاط الأب وباسيل الصهر قد استكملت في اللقلوق بين جنبلاط الإبن ووزير الخارجية . أما اللقاء الثاني فقد جمع تحت مظلة الرئيس نبيه بري وفد قيادي من حزب الله في مقابل وفدا قياديا من الحزب التقدمي الإشتراكي ، حيث من المفترض أن تكون الأبحاث قد تركزت بين الجانبين على ترميم اللقاء السابق الذي حصل في أيار الماضي وانتهى الى عدم إتفاق على أي من المواضيع المطروحة .

إن إزدهار موسم المصالحات بين القوى الكبرى على الساحة اللبنانية ينبع من شعور الكل بالحاجة الى الكل ، حيث تحتاج القوى التى تنسى بعض الحقائق الكبرى وتشرئب بأعناقها محاولة إحتلال أحجام تمس فيها أحجام الآخرين ، الى من أو ما يذكرهابأن البلد صغير وأنه مزدحم بالطوائف والمذاهب... وأن لبنان يضج بأعداد كبيرة من القوى والأحزاب الكبرى والوسطى والصغرى والطفيلية , ما يجعل الحاجة ماسة الى التواضع كقيمة أخلاقية ببعديه الفردي والجماعي , حيث الزعماء مدعوين دوما الى التواضع في طموحاتهم الشخصية والى التواضع في طموحاتهم الطائفية والمذهبية والسياسية , وإلا فإن الجماهير اللبنانية المنقسمة أصلا ، ستبقى تحت وطأة الخضات المتتالية التي تعمق أزماتها الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية كافة . وصولا الى تهديد الواقع الأمني المهدد بالإنقسامات الطائفية والمذهبية المعروفة ، وهذا ما يفتح الباب واسعا أمام تجدد الحروب الأهلية عندما تتضافر العوامل السياسية الخارجية مع العوامل السياسية الداخلية ... وهذا ما كان يحصل في كثير من منعطفات التاريخ اللبناني في القرنين الأخيرين من الزمن .

فحذار ، حذار ، من التخلي عن أجواء المصالحة الحميمية التي ينبغي الإصرار على استمرارها حتى لو لم تكن هناك من خصومات مطروحة ، ذلك أن أبالسة السياسة اللبنانية ، أذكياء ، ناشطين ، ماكرين ، منافقين ، حبوبينومحبوبين جدا جدا جدا ... وهاكم نتائج الإنتخابات النيابية المتكررة التي تجدد بشكل دوري للطبقة السياسية الحاكمة تؤكد كل ذلك .

من بعبدا الى بيت الدين الى القلوق الى عين التينة , مسار واحد للمصالحات المتعددة النكهات ، والتي تحدث في إنتظار توترات جديدة تخض البلاد والعباد وتفتح الباب واسعا أمام موجة جديدة من هستيريا المصالحات الموازية لهستيريا المناكفات والأزمات والتوترات.

ايمن حجازي