العدد 1330 / 26-9-2018
أيمن حجازي

ايمن حجازي

يتمتع رئيس المجلس النيابي نبيه بري بموقع سياسي فاعل في بنية النظام اللبناني ، ويضيف الرئيس بري الى هذا الموقع أسلوباﹰ سياسياﹰ بنكهات خاصة تخوله أداء دور مميز على الساحة اللبنانية . وقد تجاوز الرئيس بري أهمية دوره في كثير من الأحيان دور شركائه في السلطة على الرغم من وجوده خارج السلطة التنفيذية من الناحية النظرية وذلك على امتداد أكثر من ربع قرن من الزمن ... ابتداء من خريف ١٩٩٢ تاريخ انتخابه رئيساﹰ للمجلس النيابي للمرة الأولى . ومما لا شك فيه أن القوة السياسية التي يتمتع بها رئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال عون قد حدت نسبياﹰ من اتساع المساحة التي كان يطالها بتأثيره رئيس حركة أمل المحامي السياسي اللامع نبيه بري .

وقد اتسمت أساليب الرئيس بري في بناء علاقاته باللزوجة والمرونة خصوصا تلك العلاقات التي تربطه بقوى من خارج الطائفة الشيعية , ما مكنه من إقامة شبكة علاقات واسعة على مستوى الوطن جعلته يجسد مرجعية وازنة يحسب لها الحساب في كل استحقاق من الاستحقاقات الوطنية الكبرى والصغرى . الا أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي مر عليها عامان من الزمن قد أفلتت من بين يديه وخضعت لتسوية داخلية وخارجية كبيرة حرص على عدم الاصطدام بها ، خصوصا لأنها تطال حليفاﹰ سياسياﹰ هو الجنرال ميشال عون ومن ورائه المحور السياسي الاقليمي الذي ينتمي اليه الرئيس بري بالمعيارين السياسي والطائفي .

لقد تم تمرير هذين العامين من عمر العهد والعلاقة ما بين الرئاسة الثانية والرئاسة الأولى مضطربة ، و ازدحمت الملفات الخلافية ما بين الفريقين وحصلت الانتخابات النيابية ودخلنا فيالتشكيل الحكومي الذي دخل شهره الخامس والرئيس بري يتكتك ويرسل الرسائل في كافة الاتجاهات . فكيف كانت تكتكات الرئيس بري الأخيرة ؟؟

من خلال النائب ياسين جابر الذي ينتمي الى كتلة التنمية والتحرير التي يترأسها بري ، أرسل رئيس المجلس النيابي رسالة مدوية الى قصر بعبدا والى التيار الوطني الحر متهما إياهما باضاعة فرصة عرض كهربائي ألماني مميز في الوقت التي تحتدم فيه أزمة الكهرباء في البلد . وذلك بعد أن أحرج التيار الوطني الحر الرئيس بري وحركة أمل بالباخرة التركية التي تم رفض رسوها في مرفأ الزهراني , ما أدى الى حرمان أهل الجنوب من الطاقة التي كان يمكن أن توفرها هذه الباخرة التي تحولت لتلبية حاجات أهالي كسروان الكهربائية . علما أن النائب ياسين جابر يتسم بالهدوء والرصانة العلمية ولا ينجر الى مماحكات سياسية طائشة .

أما الرسالة الثانية فقد أطلقت في وجه الرئيس سعد الحريري من خلال الدعوة الى جلسة تشريعية اعتبرها الرئيس تمام سلام مطعوناﹰ في دستوريتها لأنها تتم في غياب حكومة قائمة غير حكومة تصريف الأعمال التي تتولى تسيير شؤون البلد في هذه المرحلة . ولكن الرئيس الحريري استوعب الموقف وتناغم مع الرئيس نبيه في سعيه لانعقاد جلسات تشريعية في ظل غياب حكومة أصيلة ، مع الملاحظة أن انعقاد هذه الجلسات . أما الرسالة الثالثة فقد تمثلت في تأكيد تعاطف الرئيس بري مع مطالب الحزب التقدمي الاشتراكي الوزارية ومع مطالب حزب القوات اللبنانية ( ولو بالتبعية ) ما يؤدي الى تدعيم غير مباشر لموقف الرئيس سعد الحريري والوزير جنبلاط في مواجهة ما يراد فرضه وزاريا من قبل الرئيس عون والتيار الوطني الحر .

وهكذا يبدو سيد التكتكات قادراﹰ على توجيه الرسائل في كل الاتجاهات دون أن تتضرر شبكة تحالفاته الاقليمية في دمشق وطهران ، ودون أن تتأذى علاقاته الرحبة مع حارة حريك ... فصاحب العطوفة يتسم بالحكمة والبراعة وحسن الأداء حيث السياسة حرفة بمواصفات مهنية عالية الجودة ، وما على الساسة الجدد الا أن يطرقوا أبواب معهد عين التينة لاتقان السياسة اللبنانية على أصولها وفي كافة فصولها .