العدد 1384 / 30-10-2019

في الثالث عشر من تشرين الأول الجاري ، الذكرى التاسعة والعشرين لإخراج الجنرال ميشال عون من قصر بعبدا ، وقف رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل في بلدة الحدث وعلى مقربة من قصر بعبدا ليهدد خصومه ومنافسيه المحليين بقلب الطاولة على رؤوسهم . وبعد مرور أسبوعين على هذا التاريخ تحققت النبوءة وانقلبت الطاولة على رؤوس جميع أهل السلطة وفي مقدمهم الوزير باسيل نفسه وتياره السياسي العملاق وكتلته النيابية الضخمة . وذلك بعد أن هدرت الساحات والميادين بحراك شعبي اختلط فيه الحابل بالنابل واجتمعت في إطاره تناقضات جمة طائفية وسياسية وحزبية متنوعة .

وكان واضحا أن المشكل بدأ سياسيا ، إبتداءً من كلمة جبران باسيل في جامعة الدول العربية بعدما تنصل رئيس الحكومة من موقف وزير الخارجية الداعي الى إعادة سوريا الى الجامعة العربية . ومرورا بما قيل في احتفال التيار الوطني الحر المشار اليه . ثم انتهى هذا المشكل ضرائبيا بإعلان النية على فرض ضريبة مقدارها ستة دولارات شهرية على الواتس أب ... فكانت " النكبة " التي حلت على اللبنانيين بما يفوق نكبات وأزمات مختلفةفي الخبز ولقمة العيش والبنزين والمحروقات وأسعار صرف الدولار . وعلى الرغم من انتقال المشهد الى ساحات الإحتجاج ، فإن الرعاية السياسية للصراع السياسي بقي في مكان آخر . وقد حاول الزعيم وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع دفع الرئيس الحريري الى الإستقالة " الإحتجاجية "كي يتم وضعها في وجه التيار الوطني الحر وحلفائه في ظل مخاطر إقتصادية كبيرة وبالتزامن مع هجمة أميريكية على القطاع المصرفي اللبناني الذي يجب أن يحاصر حزب الله ومؤسساته الإجتماعية والصحية والمالية .

في البداية ، لم يستجب سعد الحريري لمساعي جنبلاط وجعجع وبقي صامدا صمودا يشبه صموده أيام حملة الوزير السعودي السبهان الذي دبر له رحلة وهمية الى العاصمة السعودية أعتقل خلالها وفرض عليه أن يتلو كتاب استقالته من خارج الآراضي اللبنانية .

وقد ظهر حيال الحراك الشعبي موقف دولي غربي عبر فيه سفراء الإتحاد الأوروبي عن حمية وحماسة لجماهير هذا الحراك من خلال زيارة قام بها هؤلاء السفراء بقضهم وقضيضهم الى السراي الكبير وأكدوا فيها على حماية المتظاهرين والحراكيين وأهل الثورة المجيدة التي ألبهت قلوب القادة الأوروبيين كما ألبتهم ثورات الربيع العربي . قبل أن يعودوا ويسهموا في إطفائها ووأدها كما حصل في اعتصام رابعة العدوية في العاصمة المصرية عام ٢٠١٣ .

وكانت أيام الحراك الشعبي التالية مفعمة بالتداول بمشاريع التسوية التي تراوحت بين تعديل حكومي أو تبديل كامل يتم خلاله التخلص من الحمل الثقيل لبعض الوزراء النافرين الذين يتقدمهم وزير الخارجية جبران باسيل الذي يتقن تنفيذ مهمات الإستفزاز المتنوعة ضد الخصوم والحلفاء على حد سواء . وقد أورث هذا الإستفزاز الباسيلي المتميز متاعب كثيرة لعهد الرئيس ميشال عون ولحلفائه الذين يتقدمهم حزب الله . و بات الحزب يشعر وكأنه يدفع باهظا ثمن تحالفاته المتعبة والسيئة ، حيث الحليف الماروني كان إشكاليا حتى في كلمة الرئيس ميشال عون التي توجه بها الى المتظاهرين حيث اعتبر أن عدم قدرته على إنجاز تطلعاته في محاربة الفساد كانت بسبب ما انتزع من صلاحيات واسعة للرئاسة الأولى في دستور الطائف . وما زال حزب الله يعتبر نفسه معنيا بالدفاع عن العهد وعن التيار الوطني الحر على الرغم من كل المشكلات السياسية وغير السياسية التي ساهم في إيقادها الوزير باسيل . في الوقت الذي ينشغل فيه حزب الله بمهادنة العديد من القوى السياسية المواجهة له في سبيل إستمرار الغطاء السياسي المحلي له في لبنان وسورية على وجه التحديد .

... وقد أفادت بعض روايات التسوية التي كانت مطروحة خلال أيام الحراك الأخيرة ، أن الرئيس ميشال عون قد وافق على إخراج جبران باسيل من الحكومة في سبيل تنفيس الإحتقان والدخول في إيجاد تسوية ولو جزئية لمعضلة الحراك القائم . إلا أن ضغوطا كبيرة تعرض لها الرئيس عون منجانب جبران باسيل وفريق عمله حالت دون الإتفاق على إجراء تعديل حكومي أو التوصل الى حكومة تكنوقراط برئاسة سعد الحريري ... وهذا ما أدى الى انفراط عقد التسوية والوصول الى استقالة الرئيس الحريري غير المستندة الى إتفاق على تشكيل حكومة بديلة التي ستبقى في مهب رياح الإستشارات النيابية الملزمة.

هل الآفاق مسدودة ؟

نعم هي كذلك ، على الرغم من أن كاسحات الألغام التي قيل أن اللواء عباس إبراهيم يديرها ، كانت تعمل في الليل والنهار طوال الأيام السالفة . وباتت بحاجة في الأيام المقبلة الى جهود إضافية من أجل إجتراح حل سحري قد يضع لمساته الأخيرة عليه الرئيس نبيه بري ... فهل يكون هذا الحل قريبا أم أنه ما زال بعيدا ؟

ايمن حجازي