العدد 1385 / 6-11-2019

ينطوي المشهد اللبناني على حقيقتين , شعبية وسياسية محتدمتين ، ينبغي التوقف عند كل منهما من أجل بلورة صورة واضحة لما يجري على الساحة اللبنانية . فمنذ ثلاثة أسابيع تشهد العاصمة اللبنانية والمدن الرئيسية وعموم القرى والبلدات سلسلة تحركات إحتجاجية معترضة على الوضعين الإقتصادي والمالي ، ما زاد وفاقم الأوضاع الإجتماعية الحرجة في كافة المجالات الحياتية وعلى كافة المستويات التربوية والصحية والمعيشية الصعبة . وهذا ما أدى الى توسع وتضخم الشعارات والأهداف السياسية المطروحة في ساحة الحراك حتى تجاوزت هذه الأهداف الوضع الحكومي الى النظام السياسي الذي ينبغي إسقاطه مرورا بإستقالة الرؤساء ...حصل كل ذلك دون أن يتبلور إطار تنظيمي لهذا الحراك ، أو أن تنبت له باقة محددة من المطالب السياسية أو القانونية أو الدستورية .

في هذا الوقت ومواكبة لحركة الشارع على الأرض ، كانت القوى السياسية الكبرى المشاركة في حكومة الرئيس سعد الحريري تؤدي دورها الإعتيادي في الدفاع عن مصالحها الآنية والبعيدة المدى وقد تلى إستقالة الرئيس سعد الحريري إعادة تموضع لا بد من الإلتفات اليها . وهكذا عادت حلقات ١٤ و٨ أذار الى التبلور ، وانضم الحريري بعد إستقالته الى وليد حنبلاط وسمير جعجع في المطالبة بحكومة تكنوقراط تخلو من حزب الله ومن الوزير جبران باسيل . وتضافرت جهود حزب الله والتيار الوطني الحر من أجل الحفاظ على ميزان القوى النيابي الذي ترتب على إنتخابات ربيع ٢٠١٨ ، والذي يتضمن وجود أكثرية نيابية في قبضة معسكر الثامن من أذار في مقابل أقلية نيابية في يد معسكر الرابع عشر من اذار . علما أن الإنقسامات الوزارية كانت منذ التسوية الرئاسية بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر بعيدة جدا عن هذا التمحور الذي ولد في عام ٢٠٠٥ . وقد شهدنا في العامين الأخيرين خلافات شتى بين حركة أمل والتيار الوطني الحر حيال العديد من القضايا السياسية المطروحة ، وتفاهمات موازية بين حركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي.

وقد ترتب على هذا الفرز الجديد تلويح متعدد المصادر بإمكانية لجوء الأكثرية النيابية الى خيار آخر غير الرئيس الحريري لتولي رئاسة الحكومة . ما دفع بالشارع التابع لتيار المستقبل الى التحرك الإجتجاجي تحت عنوان تدعيم الحراك الشعبي والثورة . وهذا ما أوجد واقعا جديدا يكتل كل قوى الرابع عشر من اذار خلف الحراك الشعبي وجعل الرئيس سعد الحريري مستفيدا أولا من هذا الحراك ، الذي بدأت بعض وجوهه تجاهر بالمطالبة بتسريع الإستشارات النيابية الملزمة وبتجديد المطالبة بتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن النسيج السياسي القائم .

وفي سابقة شذت عما هو متعارف عليه ، أجل رئيس الجمهورية المشاورات النيابية الملزمة تحت عنوان التحضير الجيد للتكليف والتأليف . حيث ظهر للعيان أن الرئيس ميشال عون يريد الإتفاق مع الرئيس الحريري على تفاصيل التأليف الحكومي قبل الإتفاق على التكليف الذي يفترض أيضا أن يليه مشاورات نيابية حول شكل الحكومة ومواصفاتها . وهذا ما يتضمنه الوقت الحالي الذي يعج بالجماهير التي تبالغ في صياغة حلمها الكبير وأحلامها التفصيلية وتعد نفسها بإسقاط النظام و ( كلن يعني كلن ) وما يلي ذلك من أهازيج لامعة كانت ضرورية من أجل بهجة الجماهير المكتئبة .

هل تتجه الأمور الى الحلحلة أم تطول الأزمة ؟ سؤال لن تجد له جواب حتى لو قرأت بيان وزارة الخارجية الأميركية الذي أشاد بالثورة ومطالبها الإصلاحية قبل أن يطالب الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية " بحماية أمن المتظاهرين".

ايمن حجازي