العدد 1415 / 3-6-2020

ثمة تساؤل سياسي يطرح على المستوى المحلي عن القوة التي تستند إليها حكومة الرئيس حسان دياب وتمكنها من الإستمرار في أداء مهامها الحالية . حيث يعتقد البعض أن الحظ قد لعب دوره المميز على هذا الصعيد ، من خلال جائحة الكورونا التي أتت كي تنقذ هذه الحكومة من براثن "الثورة" والحراك الشعبي للذين كانا متأججين في نهاية العام الفائت وبداية العام الحالي . وقد سوغت هذه الجائحة وما رافقها من تطورات إقتصادية عالمية ، جزئيا رداءة الوضعين المالي والإقتصادي اللذاين يستمران في تدهورهما ، وما ترتب على ذلك من تفاقم الأزمات المعيشية المتنوعة ... ما أفسح في المجال أمام الحكومة كي تلتقط مبررات شتى تواجه من خلالها الأصوات المعارضة.

ولكن الواقع الدستوري يشي بأن أكثرية نيابية هي التي منحت الثقة لحكومة حسان دياب المشار إليها ، وهي أكثرية يمتلكها معسكر الثامن من آذار , وإن كانت هذه الأكثرية لا تتمتع بالتماسك المطلوب جراء توتر العلاقات بين حركة أمل وتيار المردة من جهة ، والتيار الوطني الحر من جهة أخرى ، فإن ضابط الإيقاع المتين في هذا المعسكر ما زال حثزب الله الذي يمتلك فعالية تخوله الحفاظ على الحدود الدنيا من وحدة الموقف السياسي للثامن من أذار . وتدخل عوامل سياسية إقليمية شتى في عملية التماسك النسبي المشار إليه.

وفي موازاة ذاك التساؤل يبرز تساؤل آخر عن معسكر الرابع عشر من أذار وعلاقات أطرافه الأساسيين ، وعن الأسباب التي تحول دون تجديد العلاقة الإيجابية بين من لا يزال يمتلك شعارات وأهداف ما زالت متقاربة ؟

يبدو أن قوى الرابع عشر من أذار ما زالت تحت وطأة عمليات التفرد في إتخاذ الخطوات التي يتناوب الجميع عليها دون استثناء . وكانت أولى عمليات التفرد في نهاية عام ٢٠١٠ ، أي بعد مرور عام ونصف على إجراء الإنتخابات النيابية لعام ٢٠٠٩ وفق قانون الستين ، وبعد مرور عام واحد على تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى ذات الثلث المعطل الذي أطاح بها مطلع عام ٢٠١١ . وبعد أن تفرد وليد جنبلاط ونجيب ميقاتي بالإنقلاب على الحريري ما ترك جراحا عميقة وندوبا ما زالت تترك أثارها المؤلمة حتى هذه الساعة . أما التفرد الذي أنجزه الرئيس سعد الحريري على حلفاء الرابع عشر من آذار فقد حصل في صيف ٢٠١٦ عندما صاغ نادر الحريري وجبران باسيل تسوية رئاسية تقضي بإنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية ، مقابل إعادة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة . وقد جاء في المقولات الحريرية أن هذه التسوية الرئاسية جاءت لأهداف وطنية كبرى تمثلت بملء الفراغ الرئاسي الذي استمر لأكثر من عامين ، فضلا عن أن إعلان معراب الذي تم التوصل إليه بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية كانت يقضي بإنتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية في عملية تفرد قواتية تمت بمعزل عن باقي أطراف معسكر الرابع عشر من أذار . أما أضعف أطراف هذا المعسكر ممثلا بحزب الكتائب الذي كان كتلته النيابية لا تتجاوز الخمسة أعضاء فإنها نالت ثلاثة مقاعد وزارية في حكومة الرئيس تمام سلام التي تشكلت في ربيع عام ٢٠١٤ وذلك من خلال إبتلاع الكتائب لحصة حزب القوات اللبنانية المفترضة في تلك الحكومة . وهذا ما أعتبر شكلا من أشكال التفرد أو المصادرة السياسية التي ترتبتوصيفات أخلاقية سلبية على هذا الفعل السياسي بين طرفين يفترض أن يكونا متحالفين . أما من ناحية المسوغ السياسي الذي أورده القواتيون لولادة إتفاق معراب ، فإنه تمحور حول مخاطر إتفاق سعد الحريري ونبيه بري ووليد جنبلاط على إنتخاب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية وهو الخصم اللدود ( آنذاك ) لسمير جعجع وحزب القوات اللبنانية.

إن مجموعة عمليات التفرد السياسي قد تناوب عليها معظم أطراف الرابع عشر من أذار ، وهو سبب كاف لإنعدام الثقة الذي يحول دون قيام جبهة موحدة لمواجهة الفريق الآخر .هذا الفريق الذي يمتلك إدارة متينة لزمام التحالف السياسي من خلال طرف سياسي ( حزب الله ) يتساهل مع جميع حلفائه في جني المكتسبات المحلية , مقابل الحصول على تغطية سياسية من أولئك الحلفاء لدوره المقاوم ولأدواره الأخرى على مستوى الإقليم...

على هامش هذا الإنعدام الواضح للثقة بين أطراف الرابع عشر من آذار تبرز معطيات سياسية إضافية تساهم في إحداث التباعد بين هذه الأطراف ما يحول دون إيجاد مشتركات سياسية عملانية تجمع القوم في خطوات مشتركة خدمة للأهداف المشتركة.

أيمن حجازي