أيمن حجازي

 التطورات السياسية التي حصلت منذ الرابع من تشرين الثاني الجاري زاخرة بالدﻻﻻت الداخلية والخارجية، ومن المرجح أن يكون لها تداعيات شتى في أكثر من ميدان وعلى أكثر من صعيد. فالتباين الذي ظهر الى العلن بين الحكم الحالي في المملكة العربية السعودية وقيادة تيار المستقبل في ما يتعلق بإدارة الوضع اللبناني لم يعد محدود اﻵفاق، بل امتد ليشمل العديد من الدول اﻷوروبية والعربية بشكل متفاوت، وقد يكون هذا التباين قد وصل الى خط واشنطن - الرياض أيضاً. 
وقد نشطت إثر تلاوة الرئيس سعد الحريري بيان استقالته من العاصمة السعودية، ومن ثم بقاؤه فيها، تدخلات عربية أجهضها السعوديون الذين لم يتمكنوا من أهمال الوساطة الفرنسية المدعومة أميركياً. وقد أفلحت هذه الوساطة في إخراج الرئيس الحريري من السعودية، وثبت أن باريس وواشنطن وبرلين و... ﻻ ترغب في قلب الطاولة اللبنانية وتحرص على استمرار اﻻستقرار النسبي الذي تنعم به الساحة اللبنانية، والذي يستند حالياً إلى تسوية تفاهمية وجدت منذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، وتعززت بتسوية ﻻحقة أنهت الشغور الرئاسي وقادت العماد عون الى قصر بعبدا منذ نحو سنة، وقد أعادت تلك التسوية أيضاً الرئيس سعد الدين الحريري الى سدة الرئاسة الثالثة. 
وقد أوحى اجتماع جامعة الدول العربية الذي انعقد في القاهرة يوم اﻷحد الماضي أن مصر وبعض الدول العربية اﻷخرى تفضّل معالجة أكثر هدوءاً في ما يتصل بالوضع اللبناني. 
لقد منحت اﻷزمة اﻷخيرة مصر مساحة أكبر من التأثير من خلال الساحة اللبنانية، وهذا ما أكدته زيارة الرئيس سعد الحريري للقاهرة وهو في طريق العودة الى بيروت، وأشارت بوضوح الى توق لبناني الى اشراك مصر في ممارسة التأثير على الساحة اللبنانية وعدم ترك هذه الساحة للاحتكار السعودي الذي انفجر في اﻷسابيع الثلاثة الماضية، دون أن يعني ذلك أن هناك تعاركاً مصرياً سعودياً على الساحة اللبنانية، وذلك بفعل ارتباط الحكم الحالي في مصر بالسياسة السعودية. 
كيف يمكن أن تؤثر التطورات اﻷخيرة بالعلاقة بين أركان الحكم اللبناني؟ وأي وضع حكومي يمكن أن يوجد بعد كل ما حدث؟
اذا سلمنا جدلاً بأن الرئيس سعد الحريري سيخضع حرفياً للرغبة السعودية، فإن النتيجة الطبيعية لذلك ستكون اصراره على استقالة حكومته، وامتناع تيار المستقبل عن المشاركة في أية حكومة يوجد فيها حزب الله المستمر في أداء دوره الإقليمي المتعاظم. ولكن الوقائع تشير الى أن الرئيس الحريري ﻻ يميل الى هذا التوجه في السلوك السياسي على الساحة اللبنانية، وهو سيبحث دوماً عن وسائل للتملص من تبعات الموقف السعودي، ولن يألو جهداً للاستعانة بأيّ من المواقف الغربية المتفهمة لسلوكه السياسي الذي اعتمده منذ انخراطه في تسوية انهاء الفراغ الرئاسي قبل عام من الزمن، وسيلجأ أيضاً إلى القاهرة، ليس لتوجيه الشكر لها على تضامنها معه في اﻷزمة اﻷخيرة فقط، بل لطلب مد العون في تليين الموقف السعودي على الساحة اللبنانية. فهل يفلح الرئيس الحريري في مهمته الاستقلالية الجديدة، وهل يجد من يمد له يد العون من فريقه السياسي ومن باقي أفرقاء الساحة اللبنانية الذين يحتاج الى ملاقاتهم له في منتصف الطريق؟