أيمن حجازي

اتسمت المرحلة التي تلت 14 شباط 2005 بتمحور سياسي حاد بين معسكرين احتل «تيار المستقبل» في أولهما  ( 14 آذار) موقع قطب الرحى، واحتل في ثانيهما ( 8  آذار) الثنائي الشيعي أو حزب الله المحور اﻷساس الذي سعى الى استقطاب ما أمكن من القوى السياسية المختلفة.  ولكن البارز أن «تيار المستقبل» و«حزب الله» حرصا كل من موقعه على استمالة أطراف مسيحية قوية من أجل التمكن من خوض المواجهات السياسية التي التهبت على امتداد أكثر من عشر سنوات خلت. وقد تمكن «تيار المستقبل» من بناء تحالف مع القوات اللبنانية وحزب الكتائب وشخصيات مسيحية مقربة من بكركي، في الوقت الذي نجح فيه «حزب الله» في اﻻنخراط في معسكر سياسي واحد مع التيار الوطني الحر وتيار المردة وشخصيات مسيحية مستقلة مؤيدة لدمشق. 
وبات السؤال الراهن يتمحور حول موقف تيار المستقبل وحزب الله الحالي من القوى المسيحية والبقية من التحالفات التي احتواها معسكرا الرابع عشر والثامن من آذار؟
     يلاحظ أن تيار المستقبل متمسك الى آخر الحدود بتفاهمه مع التيار الوطني الحر المنطلق من اﻻتفاق على انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، ﻷن هذا التفاهم أثبت فعاليته وأخرج البلاد من حالة الفراغ الرئاسي الذي استمر ﻷكثر من عامين وأعاد رئاسة الحكومة الى كنف تيار المستقبل ورئيسه الشيخ سعد الحريري. كذلك أوقف هذا التفاهم التردي والتدهور في علاقات هذا التيار مع «حزب الله»، وحافظ في الوقت نفسه على العلاقة اﻻيجابية بين المستقبل والقوات اللبنانية. ولكن تفاهماً كبيراً من هذا القبيل أقدم عليه الحريري أدى الى حدوث مضاعفات سلبية في العلاقات مع حزب الكتائب ومسيحيي بكركي والحزب التقدمي اﻻشتراكي الذي توترت علاقاته مع تيار المستقبل خلال شهر رمضان الفائت . 
وكانت التوترات التي حصلت بين التيار الوطني الحر من جهة  وحركة أمل وتيار المردة من جهة أخرى في طليعة المستجدات السياسية التي ترتبت على اﻻنتخابات الرئاسية التي أوصلت الجنرال ميشال عون الى سدة الرئاسة الأولى. وبذل حيالها «حزب الله» جهوداً مضنية على امتداد أشهر طويلة سعى خلالها الى تدوير الزوايا وتهدئة الخواطر وتقريب وجهات النظر في موضوع اﻻنتخابات الرئاسية وفي تشكيل الحكومة وفي القانون اﻻنتخابي وفي العديد من القضايا التفصيلية اﻷخرى، مثل موضوع الكهرباء وسلسلة الرتب والرواتب...
     والخلاصة التي يمكن الخروج بها في هذا السياق أن أفرقاء الساحة اﻷساسيين الذين يمكن البعض أن يطلق عليهم ممثلو السعودية وايران في لبنان، ما زالوا في سعي دؤوب نحو استمالة الحيز اﻷكبر من الساحة المسيحية التي تسعى قواها الرئيسية  الى التقاط هذه الفرصة من أجل العمل على استعادة ما يمكن أن يقال إنه مسلوب من المسيحيين بفعل «اتفاق الطائف» الذي وضع حداً ما للامتيازات السلطوية التي كان يتمتع بها موقع رئيس الجمهورية وباقي المواقع المسيحية في السلطات السياسية واﻷمنية والعسكرية. وكان في استعمال الرئيس ميشال عون لحقه الدستوري بتأجيل عقد المجلس النيابي شهراً واحداً في الثالث عشر من شهر نيسان الماضي نموذج  واضح لما يمكن أن يكسبه اﻷطراف المسيحيون من هذه اللحظة التي يتسابق فيها أطراف مسلمون على استمالتهم في صراع سياسي محتدم تشهده الساحة اللبنانية منذ أمد ويتخذ شكلاً غير عنيف في هذه المرحلة التي تسخن فيها التعبيرات السياسية في بعض الأحيان، ولكن ضمن دائرة التوافق على استمرار اﻻنعقاد السياسي السلطوي وعدم انفراطه. انهم مسلمو السلطة يتنافسون على خطب ود مسيحيي  السلطة الكرام، وعلى اللبنانيين تحمل ذلك بكل رحابة صدر، وإﻻ...