العدد 1354 / 20-3-2019
أيمن حجازي

من على منبر الرابع عشر من آذار لوح رئيس التيار الوطني الوزير جبران باسيل باسقاط الحكومة ، كمن يمزق دمية صنعها مع رفاقه على امتداد تسعة أشهر ، او كمن يهدم قصرا من الرمل بناه على شاطىء البحر خلال رحلة للسباحة . هذا شكل من أشكال الخفة السياسية التي تجعل من يسعى لأن يتقمص دور بطل الطائفة ينسى التسويات التي سهر على صياغتها ونسجها مع شركاء سياسين لهم طموحات موازية بتقمص أدوار أبطال الطوائف الأخرى . وعلى طريقة حرب التحرير التي انطلقت في ١٤ أذار ١٩٨٩ التي أرادت طرد سوريا من لبنان , أطلق جبران باسيل حرب تحرير لبنان من النازحين السوريين ... ولكن المجال لا يتسع للمدفع هذه المرة , فلا بأس من اللجوء الى المدافع الإفتراضية التي تجعله يستمر في التفوق على خصومه ومنافسيه المسيحيين .

وقد لوحظ أن باسيل منذ أن قصد نهر الكلب كي يضع لوحة يخلد فيها تاريخ خروج الجيش السوري من لبنان ، كان يرمي الى التحرر من تهمة الولاء للسوريين داخل الساحة المسيحية . وحيث سجل أيضا أن وسائل إعلام التيار الوطني الحر وتحديدا " إذاعة صوت المدى " عمدت الى التركيز هذا العام وفي ذكرى ١٤ أذار على النسخة الأولى من هذا التاريخ ( ١٤ أذار ١٩٨٩ ) وليس على النسخة الثانية منه الكائنة في عام ٢٠٠٥ , وكأن القوم يريدون القول أنهم على العهد والوعد في رفض أي نفوذ سوري زاحف او طامح للعودة الى الربوع اللبنانية . وهذا مدار سجال وتناكف مستمرين في البيئة المتشنجة بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية وحلفائه الآخرين ,وقد تجلى هذا الأمر إثر السجال الذي حصل في المجلس النيابي بين النائبين نواف الموسوي ونديم الجميل ، وذلك عندما طالب التيار الوطني الحر حلفاءه في حزب الله بعدم إحراجه مسيحيا . وكان لهذه المطالبة دور في إصدار البيان الذي تلاه رئيس كتلة الوفاء النيابية محمد رعد ، ما أدى الى تنفيس الإحتقان الذي ترتب عن ذلك السجال .

وفي المقابل , فان حزب القوات اللبنانية يسعى جاهدا في الآونة الأخيرة لصد الهجمات الدائمة من التيار الوطني الحر التي تتهمه بالتواطؤ مع المجتمع الدولي وقوى معسكر ١٤ أذار السابقين وفي مقدمتهم تيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي لإبقاء النازحين السوريين على الأرض اللبنانية ، وذلك تحت عنوان مواجهة النظام السوري من خلال قضية النازحين , ما دفع بحزب القوات اللبنانية الى إظهار الجهود السياسية التي قيل أنه بذلها في أجل معالجة موضوع النزوح السوري الى لبنان .

ولكن المحصلة السياسية للتلويح باسقاط الحكومة كانت مضرة لأكثر من طرف سياسي أساسي في البلد ، وتحديدا لتيار المستقبل وللتيار الوطني الحر , وقد أكدت هذه الواقعة أن العلاقة بين الطرفين هي علاقة تبادل منافع لا ترقى بأي شكل من الأشكال الى تحالف في حدوده الدنيا . وبناء عليه فاءن الهشاشة هي التي تطبع التسوية الرئاسية التي قامت بين الجانبين في نهاية صيف ٢٠١٦ وأعادت الجنرال ميشال عون الى قصر بعبدا رئيسا للجمهورية , ومن ثم أعادت سعد الحريري الى سدة رئاسة الحكومة مجددا . وذلك على الرغم من محاولة الرئيس الحريري التأكيد أن هذه التسوية الرئاسية زواج ماروني لا فكاك منه . كما أظهرت هذه الواقعة أن التيار الوطني الحر مرشح في هذه المرحلة الى تبني أو إطلاق بعض المواقف غير الجدية التي تتم تحت وطأة التأثير الشارعي المسيحي ، في الوقت الذي يظهر فيه تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري في موقف ضعف يضطر فيه الى الصمت أو تجنب مواجهة التحديات السياسية القادمة من الأطراف الأخرى وفي مقدمة هذه الأطراف شركاءه المستأسدين في السلطة المجزأة والمقسمة والتي يخشى اللبنانيون عليها أن تتحول الى سلطة متناحرة كما كان الحال قبل بضع سنوات .

ثمة سؤال كئيب يراودني ويراود أذهان بعض اللبنانيين واللبنانيات لا بد من ان أنهي به ثرثرتي السياسية : ماذا لو ذبلت وردة تبادل المنافع التي يتنشق أريجها السخي أطراف التسوية الرئاسية وشركاءهم في السلطة ؟ ماذا لو تعطلت هذه الآلية التحاصصية الطائفية المذهبية الرديئة التي تشكل العنوان المعيب للنظام السياسي الفوضوي القائم على الأرض اللبنانية , فتجعلها مخيماﹰ لا وطناﹰ تتوافر فيه بعض ملامح النظام والإنتظام ليس إلا .

ايمن حجازي