ايمن حجازي


في غمرة الحديث عن القانون الانتخابي  في لبنان، ينبغي التطلع الى مآلات الخريطة السياسية اللبنانية وما تحتويه من تحالفات ثابتة ومتغيرة، في ضوء الاستحقاقات المقبلة والآنية والسابقة التي شهدها لبنان في الآونة الأخيرة. فبعد أن كانت هذه الخريطة ترزح تحت وطأة فرز سياسي وطائفي حاد أنتج منذ 14 شباط 2005  اصطفافاً سياسياً عاصفاً من خلال معسكري الثامن والرابع عشر من آذار, وقد تعرض هذا الاصطفاف لخروقات كبيرة ابتداءً من خروج النائب وليد جنبلاط من معسكر الرابع عشر من آذار.  وقد تلى ذلك اسقاط حكومة سعد الحريري في نهاية 2010  وانضمام وليد جنبلاط الى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي  التي ضمت قوى الثامن من آذار. ثم شهدنا تصدعاً تدريجياً في العلاقة ما بين الرئيس نبيه بري وحركة أمل من جهة والعماد ميشال عون والتيار الوطني الحر، وصل الى ذروته لدى تأييد رئيس المجلس النيابي لترشيح  النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. وقد توجت تصدعات معسكر الثامن من آذار باهتزاز العلاقة بين العماد عون والنائب فرنجية في اطار نفس الموضوع الذي أوجد شرخاً بين عون وبري.
وقد أدت الخلافات السياسية التي أحاطت بالقانون الانتخابي الى رأب صدع جزئي في علاقات قوى الثامن من آذار والى تشتت قوى الرابع عشر من آذار، فكيف كان ذلك؟
أشلاء معسكر الرابع عشر من آذار لم تكن قادرة على الحفاظ على ما اتفقت عليه قبل عام من الزمن حول قانون مختلط توصل إليه تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، الذي أعلن في حمأة البحث عن القانون الانتخابي المرجوّ رفضه القانون المختلط وتمسكه بقانون الستين أو ما يرغب في تسميته قانون الدوحة, فيما القوات باتت مأخوذة بالحلم بكتلة نيابية متسعة من جراء التحالف مع التيار الوطني الحر على الساحة المسيحية، على غرار ما حصل من توسع في حصتها الوزارية التي حصلت عليها لدى تشكيل الحكومة اللأخيرة برئاسة سعد الحريري. وجراء ذلك، لن تفلح القوات في تدعيم مطالب الحلفاء السابقين الذين تتمسك باستمرار التحالف معهم، ولكنها تجهد من أجل التوفيق بين الفرقاء الذين تتناقض مصالحهم على الدوام في مجال القانون الانتخابي وغيره من المجالات. 
وفي المقابل  استمر التوافق بين التيار الوطني الحر وحزب الله  وحركة أمل  على المطالبة باعتماد النسبية في اي قانون انتخابي منشود, وعلى رفض قانون الستين بشكل مطلق، وهذا ما أدى الى التوصل الى حد أدنى من التوافق بين قوى الثامن من آذار على أسس القانون الانتخابي الذي بقي الخلاف قائماً على تفاصيله المفقودة حتى هذه اللحظة. فالنسبية  لها عدة صيغ والقانون المختلط له عدة نسخ  وحجم الدوائر الانتخابية  هي بيت القصيد  التي يراها كل طرف من الأطراف من زاوية  مصالحه السياسية  الخاصة  والمتضاربة في معظم الأحيان. وقد اعتبر تشكيل اللجنة الرباعية المكلفة إيجاد صيغة قانون انتخابي ملائم للساحة اللبنانية اشارة واضحة على تقدم قوى الثامن من آذار في المشهد السياسي اللبناني  رغم كل التصدعات التي اصابت علاقاتها البينية. فاللجنة المشار إليها ضمت التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله وتيار المستقبل،  ما كشف عن توازن مفقود في بنية هذه اللجنة في ظل غياب الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وتيار المردة  وآخرين...
لا نعرف  من هو القادر في ساحة لبنانية كهذه الساحة  على اخراج أرنب القانون الانتخابي من كمه, ولا نعرف حظوظ التأجيل التقني من عدمه، ولا  نستطيع الجزم بإمكانية حصول الفراغ في بنيان السلطة التشريعة. ولكن المؤكد أن الضحية الكبرى في هذا الخضم هو حسن التمثيل الشعبي الذي يجب ان يكون الهدف الرئيس، من اجراء أي انتخابات تحصل في بلد من البلدان.>