العدد 1369 / 10-7-2019
أيمن حجازي

بسرعة فك وليد جنبلاط الطوق السياسي الذي سعى الى ضربه حوله خصومه السياسيين إثر حادثة قبرشمون التي سقط بنتيجتها اثنين من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب بالإضافة الى عدد من الجرحى المنتمين الى الحزب التقدمي الإشتراكي . فعلى الرغم من انعقاد المجلس الأعلى للدفاع بدعوة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ، وإصداره موقفا متبنيا للرواية الإرسلانية لحادثة الجبل فقد لاذ وليد جنبلاط في الثماني والأربعين ساعة التي أعقبت الحادثة بالصمت المطبق ، ما خلا تصريحات أدلى بها النائب أكرم شهيب ومسؤول الإعلام في الحزب التقدمي الإشتراكي رامي الريس . ولم ينطلق لسان وليد جنبلاط إلا بعد انعقاد المجلس المذهبي الدرزي في دار الطائفة الدرزية في فردان الذي أصدر بيانا جدد فيه التغطية الدينية والطائفية الدرزية للرجل الذي أختار أن يرد على بيان المجلس الأعلى للدفاع ببيان ممهور بتوقيع المجلس المذهبي الدرزي .

وهو كعادته أراد أن يقف على أرض صلبة , وأن يبرد الأجواء على الساحة الدرزية معترفا بالبوابات الأخرى للجبل في خلدة عند طلال ارسلان مرورا ببوابة صالح الغريب وإنتهاء ببوابة وئام وهاب الذي تلقف هذا الإعتراف الجنبلاطي ببوابته وعدل كثيرا من لهجته التي بدت معتدلة خلافا للعادة . وفي تبريد الأجواء الدرزية إسترضاء واضح للمشايخ الدروز الحريصين على وحدة الطائفة وفق ما ورد في بيان المجلس المذهبي الدرزي . ثم أتبع هذا التبريد بتأكيد وجوده تحت سقف القانون وفي ذلك رسالة واضحة لكل حلفائه الذين كانوا مدعوين الى مساندته وهم بحاجة الى هذا التأكيد ... وفي مقدمة هؤلاء الرئيس نبيه بري . ولكن جنبلاط ركز هجومه على جبران باسيل داعيا رئيس الجمهورية الى وضع حد ﻟ " صبيانيته" النابعة من تسرعه في ضمان الوصول الى رئاسة الجمهورية وفق اتهام رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي . وقد جاء موعد عشاء عين التينة مع الرئيس سعد الحريري برعاية الرئيس نبيه بري كأنه البلسم لجراحات جنبلاط التي أصيب بها إثر حادثة قبرشمون ما أعاد الرجل الى موقعه الحصين . وذلك في ظل تأييد مميز منحه له رئيس تيار المردة سليمان فرنجية , الذي قصد مجلس المطارنة الموارنة وعبر من بكركي عن دعمه لجنبلاط أو بالأحرى عن رفضه لسياسة جبران باسيل المتبعة على الساحة اللبنانية .

وهنا قد يجد المراقب أن بعض المواقف الداعمة لجنبلاط في هذه الجولة من الصراع ، ليست حبا أو تأييدا لجنبلاط الشخص أو لجنبلاط السياسي ولكنها مواقف رافضة لجبران باسيل ومواقفه المقسمة بالعنجهية وبالطمع وبالتسرع في السعي للوصول الى سدة الرئاسة الأولى , قبل أن ينتهي النصف الأول من ولاية الرئيس ميشال عون.

وكان من الطبيعي في هذا الخضم أن يجد الرئيس سعد الحريري نفسه الى جانب وليد جنبلاط بعد أن اجتاحه بلدوزر جبران باسيل ونال من هيبة رئاسة الحكومة وعطل مجلس الوزراء بعد أن استدعى وزراء تياره الى مكتبه في وزارة الخارجية بدلا من أن يتوجه الجميع الى السراي الكبير للمشاركة في جلسة مجلس الوزراء ... وهو ما يزال يعطل إنعقاد هذا المجلس من خلال إصراره على إحالة حادثة قبرشمون الى المجلس العدلي على الرغم من أن الأكثرية الحكومية معارضة لهذا التوجه.

لقد باتت قضية إحالة حادثة قبرشمون الى المجلس العدلي وكأنها جزء من التحدي السياسي بين الفرقاء السياسيين الذين يريد كل فريق منهم أن يثبت أنه الأقوى والأقدر على الإمساك بزمام الأمور داخل مجلس الوزراء وداخل أروقة السلطة اللبنانية . ويبدو أنها تبدو بالنسبة للكثيرين معركة وضع حد للتورم الذي يصاب به حجم جبران باسيل السياسي . حتى يصار الى التمييز بين حقيقة الأحجام السياسية للفرقاء بعيدا عن الأوهام والتورمات الطارئة التي قد تعطل مسار السلطة والدولة والحكومة وشؤون الناس الرازحة بالأصل تحت وطأة نظام سياسي وإداري متعفن كان ينبغي إصلاحه فاذا بنا في أسر الحاجة الماسة الى ترميم الصيغة الأولية لإنطلاق عملية ترتيب ميزان القوى داخل السلطة قبل البحث الجدي في إصلاح هذه السلطة وتطهيرها .

ايمن حجازي