العدد 1346 / 23-1-2019
أيمن حجازي

طاحنة كانت تلك المواجهة التي نشبت بين أهل الحكم اللبناني حول إنعقاد القمة العربية الإقتصادية في بيروت في الأسبوع المنصرم ، وقد صال وجال فيها رئيس المجلس النيابي نبيه بري دون أن يلقى الرد الإعتيادي الصاخب من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل . وقد حصلت تلك المواجهة تحت خانة المواجهة الإقليمية والدولية الأكبر حجما والتي تستعر وتتماوج صعودا وهبوطا في المنطقة . وساهم ذلك في تهميش الإستحقاق المحلي القانوني والدستوري المتمثل بتشكيل حكومة ما بعد الإنتخابات النيابية المنتظرة منذ شهر أيار الماضي . واللافت في هذه المواجهة إنخراط معظم الأطراف السياسية في أتونها المتأجج دون أن يعني ذلك إنقطاع الخيوط الدقيقة الرابطة بين هذه الأطراف .

ويأتي في طليعة الأسباب التي أدت الى غياب الرد الصاخب من الوزير باسيل ما يلي :

- الخشية من أن يؤدي هذا الرد المفترض الى الغرق في مزيد من الأجواء السلبية التي قد تؤدي الى مزيد من الأذية لمستوى الحضور في تلك القمة العربية الإقتصادية التي تضررت ضررا بالغا من موقف الرئيس نبيه بري حيال مشاركة ليبيا فيها وعدم مشاركة سوريا .وقد حصل ذلك الضرر من خلال موقف بري السياسي الذي دعم بموقف المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ، ومن خلال موقفه على الأرض وما جرى من إنزال للعلم الليبي في العاصمة بيروت قبيل موعد القمة بأيام .

- معاضدة "حزب الله" لموقف الرئيس نبيه بري خصوصا في ما يتصل برفض غياب سوريا عن القمة العربية الإقتصادية ، وهذا ما له علاقة مباشرة بالتحالف المتين بين التيار الوطني الحر و"حزب الله" . وحيث لا رغبة سياسية لدى هذا التيار ولدى الوزير باسيل بالمس بمتانة هذا التحالف الذي يتميز بالحساسية الشديدة لدى "حزب الله" من أي ابتعاد في مواقف حليفه العوني في السياسة الخارجية للبنان وذلك في مقابل التسامح البين والواضح في أي خلاف سياسي بين الجانبين على المستوى المحلي .

- الحرص على عدم الإستغراق في المواقف التي قد تعتبر انقلابية في حسابات بعض الحلفاء بعد واقعة نهر الكلب التي أراد فيها الوزير باسيل وخلافا لرغبة الحلفاء تدوين ونقش تاريخ انسحاب الجيش السوري من لبنان على صخر ذلك النهر الى جانب لوجة جلاء الجيش الفرنسي عن لبنان في عام ١٩٤٦ . فلا الوزير باسيل ولا الرئيس ميشال عون ولا التيار الوطني الحر يرغبون في نكوص أو التراجع عن خياراتهم السياسية الكبرى التي تتالت بعد ٦شباط ٢٠٠٦ تاريخ توقيع التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله في كنيسة مار مخايل .

... لم تقف تلك المواجهة السياسية المحلية على الرئيسين ميشال عون ونبيه بري ولا على التيار الوطني الحر وحركة أمل ، بل خاض غمارها ولو بشكل جزئي وجانبي الرئيس سعد الحريري و"حزب الله" ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ... فكان للرئيس الحريري أسف معلن على الغياب الليبي أمام مؤتمر لغرف الصناعة والتجارة العربية ما أثار حفيظة أوساط الرئيس نبيه بري خصوصا أن هذا الأسف لم يقرن بأي مطالبة للحكومة الليبية بضرورة التعاون في كشف مصير الإمام السيد موسى الصدر وهو ما فعله الوزير جبران باسيل في إجتماع وزراء الخارجية العرب الذي سبق القمة الإقتصادية العربية بيوم واحد . أما حزب الله فقد شارك إعلاميا في تبيان هزال تلك القمة وإنحسار المشاركة الرئاسية العربية فيها . فضلا عن التعبير المتعدد الوجوه من قبل وسائل إعلام الحزب عن رفض تغييب سوريا في تلك القمة . أما الحزب التقدمي الأشتراكي فانه اكتفى بتغريدة رئيسه وليد جنبلاط الذي حمل فيها الظلاميين مسؤولية هزال الحضور في القمة العربية الإقتصادية العربية الطيبة الذكر ، ولا نعرف كيف استقام مضمون هذه التغريدة مع العلاقات المميزة التي تربط ما بين حركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي ... علما أنها تغريدة قد تصيب بشظاياها حركة أمل والرئيس نبيه بري الذي كان أنصاره الذين نزلوا الى الشارع قد أكدوا أنهم على استعداد لتنفيذ تهديد رئيسهم بإعادة الكرة في مثلما حصل في ٦ شباط ١٩٨٤ ضد سلطة أمين الجميل ، وذلك في إطار التعبير عن رفض قدوم أي وفد ليبي الى بيروت .

...لقد كانت معركة طاحنة ولكن أبطالها سرعان ما عادوا الى إعادة سيوفهم الى أغمادها لأن الجميع متضرر من إشتعال أوار نيران الأرض والشارع التي تعيد تجارب الحرب الأهلية اللبنانية البشعة . وهذا ما دفع الوزير باسيل الى إطلاق موقف مميز في المؤتمر الصحفي النهائي الذي أعقب انتهاء القمة الإقتصادية العربية غازل فيه قواعد حركة أمل وجماهيرها من خلال الإشارة الى مكانة السيد موسى الصدر اللبنانية والى ضرورة الإسراع في إماطة اللثام عن مصيره من قبل السلطات الليبية . أما الرئيس سعد الحريري الذي تساجل مع الرئيس بري حول الغياب الليبي عن بيروت فانه سرعان ما بادر الى زيارة عين التينة والتودد الى الرئيس بري من ثم التباحث في كيفية استئناف الجهود من أجل العمل على تشكيل الحكومة في شهرها الثامن ... علما أن الولادة من الشهر الثامن على ما يقول أهل الخبرة تكتنفها بعض الخطورة والمضار الصحية . فلا بأس من انتظار الوقت الطبيعي للحمل من خلال اتمام الأشهر التسع . حفظكم الله أجمعين .