العدد 1494 /5-1-2021

لم تعد مفردة " الإحتدام " تجدي في توصيف الوضع السياسي اللبناني ، وتحديدا لجهة علاقات الأطراف السياسية في ما بينها . ولم يعد يصح حصر هذا الإحتدام في الخصوم والمختلفين في مواقفهم السياسية . بل إن لهيب هذا الإحتدام قد تصاعد داخل المعسكرات والتحالفات وقوى الصف الواحد . وقد بلغ السجال السياسي المنطلق من ذلك الإحتدام أوجه في الأسبوع الماضي حيث افتتحه بتحفظ ، رئيس الجمهورية ميشال عون ثم صبغه بألوان فاقعة مفرقعة النائب جبران باسيل وأطلق أهازيجه الصاخبة النائب علي حسن خليل ولم يدخله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي نقل المعركة الى المجال الإقليمي حيث كان إحتدام من نوع آخر مع المملكة العربية السعودية .

بداية امتنع الرئيس عن تفجير الألغام المزروعة على ضفاف العلاقة بين حزب الله والتيار في ما يتصل بموقف الحزب من الطعن المقدم أمام المجلس الدستوري والمتعلق ببعض بنود القانون الإنتخابي بالإضافة الى

موضوع القاضي طارق البيطار وجملة قضايا أخرى كانت مدار تجاذب واختلاف بين حركة أمل والتيار الوطني الحر . وهذا ماجعل الإتهام موجها الى الحزب بالإنحيار الى حركة أمل بعيدا عن الحليف العوني الشهير . ولكن رئيس التيار الوطني الحر أقدم على تلوين مواقف رئيس الجمهورية مسميا حزب الله والرئيس نبيه بري في أكثر من محطة من محطات كلامه . خاتما بالتأكيد على أنه لا يستطيع ان يكمل الطريق مع الحزب بهذه الطريقة وأن تفاهم مار مخايل بين الجانبين يحتاج الى تطوير في مضامينه المتعلقة بالشؤون السياسية المحلية على وجه التحديد . وخصوصا لجهة ما هو متعلق بالتوازن والتوازي في علاقات الحزب مع حركة أمل والتيار الوطني الحر . والحقيقة أن كلا الطرفين يريدان من حزب الله الدعم والإنحياز في تحقيق طموحاته السياسية . فالتيار الوطني الحر يسعى وبشكل دؤوب الى إستعادة ما ضاع من إمتيازات كان يتمتع بها المسيحيون عموما والموارنة خصوصا في بنية السلطة اللبنانية . والرئيس بري يدرك مخاطر هذا السعي الطائفي الذي يعيد حالة عدم التوازن الوطني او الطائفي الذي كان قائما في جمهورية ما قبل الطائف . والذي ينتج غبنا وحرمانا يعم الطوائف الإسلامية ، وهذا ما كان قائما منذ عام ١٩٤٣ حتى عام ١٩٩٠ تاريخ إقرار إتفاق الطائف . وما يدفع الرئيس بري الى القيام بمهمة التصدي لعودة نظام الإمتيازات الطائفية هو التغيرات الديموغرافية الهائلة التي طرأت على بنية المجتمع اللبناني والتي جعلت حتى المناصفة بين المسلمين والمسيحيين تنطوي على ظلم كبير يلحق بالأكثرية مهمدالعددية التي باتت عليها الطوائف الإسلامية . والأمثلة التي تؤكد هذا الأمر مزدحمة ومتكاثرة على صعيد عدد النواب والموظفين ورتبهم وحتى الصلاحيات الرئاسية التي ما زالت على قوة وإتساع رغم كل ما يقال في الوسط المسيحي عن تراجعها وانحسارها .

في هذا السياق لا ينبغي تجاهل قضية دستورية بنيوية متعلقة بطبيعة النظام الدستوري البرلماني الذي يفرض تضييقا وتحديدا في صلاحيات رئاسة الجمهورية وتوسعا في صلاحيات رئاسة الحكومة تبعا لعدم إنتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة كما هو حاصل في النظام الدستوري الرئاسي . علما أن التغني التاريخي من قبل الساسة المسيحيين كان يبرز دوما من خلال التباهي بأن نظامنا السياسي اللبناني هو نظام برلماني .

أعرف أن هذا الكلام يلامس الخطوط الحمراء التي قد يستجلب لدى البعض دق ناقوس الخطر في الميدان الطائفي المسيحي الذي تتبارى فيه القوى المسيحية الكبرى وينغمس في عمقه بعض رجال الكنيسة وأعلامها . ولكن الحقائق يجب أن تقال كما هي بلا مواربة ولا اختزال .

نحن إذا في مرحلة السوبر إحتدام بين القوى المختلفة وبين القوى المتحالفة على حد سواء . في حين ان السؤال الأهم يبرز حول افق العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر . ويبدو ان الأمين العام لحزب الله قد أرسل ولو بإقتضاب إشارات واضحة الى التمسك بالتفاهم والتحالف مع التيار الوطني . وقد تعمد عدم الخوض في السجال السياسي القائم مؤجلا البحث في الموضوع الى موعد آخر ومعربا عن استعداده للبحث في تطوير التفاهم القائم بين الجانبين . ومفسحا في المجال امام جبران باسيل والتيار الوطني الحر كي يستفيد إنتخابيا في ساحته المسيحية من إيجابيات التباعد النسبي مع الحزب عله يجني من وراء ذلك بعض الإيجابيات المفترضة . إن قدر لهذه الإنتخابات ان تجرى .

أيمن حجازي