العدد 1531 /5-10-2022
أيمن حجازي

الحلحلة التي تطغى على ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الصهيوني ، تغيب عن الوضع السياسي المحلي المتصل بالإنتخابات الرئاسية وبتشكيل الحكومة المكلف بترؤسها الرئيس نجيب ميقاتي والتي ما زالت تنتظر مصيرها الغامض منذ الإنتخابات النيابية الأخيرة التي "وقعت" في شهر أيار الماضي . وكانت الحلحلة المشار اليها قد فرضت نفسها إثر لجوء المقاومة اللبنانية الى إطلاق تهديدات أمنية ضد إستخراج العدو الصهيوني النفط والغاز من حقل كاريش قبل الإفساح في المجال للجانب اللبناني بإستخراج مصادر الطاقة تلك من مياهه الإقليمية . وفي ظل رغبة أميركية واضحة بالإستفادة من نفط وغاز شرق المتوسط دون تعكير ذلك من خلال أي اضطراب أمني أو عسكري مفترض على الجبهة اللبنانية - الصهيونية .

وفي موازاة ذلك ، ما زالت الأطراف السياسية اللبنانية تلحس المبرد وتعمق أزمة المواطن اللبناني الواقع تحت وطأة الإقتصاد المنهار والعملة الوطنية المسحوقة والغلاء المتصاعد الذي فرض الجوع على الناس وأجبرهم على الإنتحار في قوارب الموت الزاحفة الى بلدان اللجوء الأوروبي الموعودة . ولحس المبرد المشار اليه يتمثل في هذه المرحلة بالإصرار على فرض الخيارات الرئاسية الحادة البعيدة عن التوافق والرافضة لسياسة تدوير الزوايا الذي امتاز بها المجتمع السياسي اللبناني منذ ولادة الكيان المسكون بالتسوية المستدامة . ويتمثل أيضا بالإصرار على عرقلة تشكيل الحكومة الميقاتية الرابعة التي تتعثر بالحسابات الضيقة والعناد المتنوع الأشكال الذي يتجاهل آلام الناس ومصائبهم . فالرئاسة الأولى والحكومة المفقودة باتا في خانة التأرجح المتصاعد والمتواصل . وتساهم جهات اقليمية ودولية عديدة في تعقيد المشكلة اللبنانية الحالية وتزيد من فداحة كارثة لحس المبرد المشار اليها .

لقد خرقت جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية الأخيرة هذه الأجواء المحتدمة وفتحت بعض القنوات الموصدة وبدأ التداول ببعض الأسماء التسووية التوافقية التي ما زالت بعيدة المنال . ولكن هذا التداول كسر جليد المواقف وبرزت ميول خارجية فرنسية وقطرية متعاطفة مع هذا التداول الإيجابي الذي قد يسهم في تبريد بعض الرؤوس الحامية المندفعة الى مرشحي "التطرف" او مرشحي المعسكرات المتنافرة الذين تظنهم في طروحاتهم الحادة يدفعون البلاد الى حرب محتومة . وتترافق هذه الإسهامات الفرنسية و القطرية مع دور مواز لكلا الطرفين في موضوع النفط والغاز حيث لشركة توتال الفرنسية دور هام على هذا الصعيد . ولدولة قطر دور شبيه في موضوع الغاز على وجه التحديد حيث يلعب الغاز القطري دورا هاما في سد حاجة أوروبا الى الغاز الروسي المفقود بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية . وحيث يقال ان الغاز في شرق المتوسط أكثر أهمية في الحسابات الأوروبية من النفط .

في هذه الأثناء لاشيء يكبح جماح الدولار الأميريكي في مواجهة الليرة اللبنانية التي تسحق مرارا وتكرارا أمام العملة الأميريكية ، وهو يكاد يتجاوز الأربعين ألف ليرة لبنانية دون خجل ولا ورع . ويترافق ذلك مع الجدل حول الدولار الجمركي والسعر الرسمي الذي ارتفع من ١٥٠٠ ليرة الى ١٥ ألف ليرة ما يزيد أسعار الكثير من السلع إلتهابا وغليانا وصعودا ... يحصل كل ذلك في ظل قناعة راسخة لدى المواطن اللبناني الأبي بأن لا الإنتخابات الرئاسية إن هي حصلت أو تعثرت أو تأخرت فإنها لن تؤمن الحلول المطلوبة . وكذلك الأمر بالنسبة الى الحكومة العتيدة المنتظر ولادتها في عملية قيصرية شاقة ، فإنها لن تبلسم جراحات اللبنانيين العميقة ولن " تشيل الزير من البير " وفق المقولة الرائجة .

يحصل كل ذلك في أحاديث متقاطعة من قبل أذكياء وعظماء وعباقرة واستراتيجيين يتصدرون الشاشات التلفزيونية ويبشرون خلق الله بأننا صرنا على أعتاب الحرب العالمية الثالثة من خلال الحرب الروسية - الأوكرانية المجيدة ، وأن البشرية قاطبة موعودة بالمصير النووي المدمر الذي يقربنا من نهاية العالم . دون أن يوقع على هذه التوقعات " المشرقة " لا ليلى عبد اللطيف ولا ميشال حايك ولا أي من قاريء الفنجان الخارقين ...

أيمن حجازي