العدد 1411 / 29-4-2020

في ظل إعتقاد البعض بانحسار أخطار وباء الكورونا عن الساحة اللبنانية ، اشتعلت سياسياً ولكن هذه المرة بين الحكومة وقوى رئيسية فيها وبين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على خلفية الإرتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار الأميريكي أمام الليرة اللبنانية المتهاوية . وبعد أن عمد رئيس الحكومة حسان دياب الى توجيه إتهامات مباشرة الى سلامة بالمسؤولية عن هذا الإضطراب النقدي الكبير ، تفاقمت الأوضاع الإجتماعية المأزومة أصلاً وشهدت الأسواق موجات جديدة من إرتفاع أسعار السلع مما أذاب قيمة المداخيل المحددة بالليرة اللبنانية وساهم في إعادة إشعال الشارع .

... هذا الشارع الذي كان قد هدأ بشكل تدريجي مع إستعار معضلة الكورونا وجائحتها العالمية القاتلة التي تجاوز عدد المصابين من جرائها ثلاثة ملايين إنسان وفق ما هو مسجل لدى منظمة الصحة العالمية . وبديهي أن يتفاعل الخلاف بين الحكومة ومكوناتها الكبرى وحاكم مصرف لبنان في الإطار السياسي وأن تدخل القوى السياسية المعارضة لهذه الحكومة على خط هذا الصدام المستجد ، وأن ينبري الرؤساء سعد الحريري وفؤاد السنيورة وتمام سلام ووليد جنبلاط ونهاد المشنوق و ... في الدفاع عن رياض سلامة الذي استحوذ أيضاً على غطاء ديني - طائفي متين من خلال موقف صريح وواضح للبطريرك الماروني بشارة الراعي . وهذا ما جعل الحاكم في موقع أرجح من موقع الرئيس حسان دياب والقوى السياسية التي تشاركه في تحميل رياض سلامة عبء المأزق المالي والنقدي والإقتصادي الذي يعيشه البلد .خصوصا إذا علمنا أن قوة وازنة لها رمزيتها السياسية والتشريعية كحركة امل والرئيس نبيه بري لا تجاري الآخرين من الحلفاء في الرغبة في إقتلاع حاكم مصرف لبنان من موقعه المركزي في الدولة اللبنانية . وقد حكي في هذا الصدد عن تناغم بين النائب السابق سليمان فرنجية والرئيس بري في ما يتصل بالحاكم رياض سلامة وخصوصا عندما تطرح الأسماء البديلة للرجل والتي تنخطف بمعظمها نحو الولاء لجبران باسيل والتيار الوطني الحر . والرئيس بري يعتبر أن الإطاحة برياض سلامة إن توافرت شروطها القانونية فإنها خطوة في الفراغ أو خطوة في المجهول ، خصوصا في ظل عدم تعيين نواب للحاكم وفي ظل عدم إكتمال الهيكلية التنظيمية التي ينبغي أن تتحكم بسياسات مصرف لبنان . فضلا عن أن بري ومن خلفه فرنجية يعتبران ان الذي يقود الحملة ضد سلامة هو النائب جبران باسيل الراغب بشطب إسم سلامة من لائحة المرشحين لأية إنتخابات رئاسية مفترضة في عام ٢٠٢٢ أو قبل ذلك .

أما من الناحية التقنية البحتة فإن البعض يترجم موقف الرئيس نبيه بري غير المعادي لرياض سلامة استنادا الى عاملين إثنين :

-أولهما : أن الإطاحة بسلامة ستورث الساحة اللبنانية مزيدا من الضغوط الغربية ، نظرا للثقة التي اكتسبها الرجل لناحية مكافحة تبييض الأموال والتبرؤ من كل ما يعيق تطبيق الإجراءات الأميريكية ضد حزب الله .

-وثانيهما : أن إدارة وزارة المالية اللبنانية التي كانت في عهدة الرئيس بري لسنوات قد تفسح في المجال أمام تفهم الكثير من السياسات التي كان يلجأ اليها ويعتمدها حاكم المصرف المركزي خلافا لحلفائه الذين لا يرون في هذه السياسات إلا النتائج السلبية التي تلهب الشارع ضد الحكومة الحالية .

هذا ، في حين أن بعض من في التيار الوطني الحر يجد في موقف بري غير المعادي لرياض سلامة ، نوعا من الوفاء لمرحلة كان فيها رئيس حركة أمل المستفيد الأول من موازنات الدولة بالشراكة الكاملة مع الرئيس الراحل رفيق الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط...

وهاهي الكورونا تفسح في المجال أمامنا كي نستعيد نشاطنا السياسي المعتاد في البلد الذي يقوم فيه هذا النشاط على التناطح والحوربة . الجديد في هذه الجولة ، أنها من الناحية الظاهرية قد نشبت بين رئيس حكومة وموظف من الفئة الأولى . ولكن الحقيقة أظهرت وأكدت ان حاكم مصرف لبنان هو رئيس السطة النقدية الممجدة القابل لإقامة شبكة تحالفات داخلية وخارجية متينة قد تطيح خصومه قبل أن تهدد عرشه الكبير . قوي يا رياض سلامة .

ايمن حجازي