أيمن حجازي

يكاد الشهر الثاني ينقضي على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف حكومة ما بعد انتخابات السادس من أيار، دون أن تلوح في اﻷفق تباشير هذا التأليف الذي تواجهه عقبات سياسية وطائفية كبرى تنخرط في صياغتها قوى كبرى في المجلس النيابي الجديد.
وقد احتدمت الأمور على خط العقدة المسيحية التي تعترض التشكيل الحكومي، ودخل على الخط البطريرك الماروني بشارة الراعي، بعد أن فشلت مساعي الرئيس المكلف سعد الحريري لحلحلة هذه العقدة، وبعد أن كشف حزب القوات اللبنانية عن مضمون «تفاهم معراب» الذي أسهم في إنهاء الشغور الرئاسي الذي ساد البلد بين عامي 2014 و2016 . وكان اﻻستفزاز قد عمّ العديد من القوى السياسية المسيحية خصوصاً واللبنانية عموماً، بعد الكشف عن أن التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية اتفقا في «تفاهم معراب» على تقاسم الحصة المسيحية الوزارية وعلى تقاسم الحصة المسيحية الإدارية، ما يعني سحق قوى مسيحية أخرى ونفيها، مثل تيار المردة وحزب الكتائب اللذين اعتُبرا وفق «تفاهم معراب» قوى اﻷقلية المسيحية التي يجب أن تُحرَم حقها في امتلاك حصة وزارية أو إدارية في بنية الدولة اللبنانية. وقد شمل هذا اﻻستفزاز البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي زار قصر بعبدا واجتمع الى الرئيس ميشال عون وخرج معلناً رفضه القاطع ﻷي تفرد أو ثنائية يمكن أن تفرض على الساحة المسيحية. وقد اعتبر الراعي أن هذا التفرد المفترض على الساحة المسيحية اللبنانية سيعطى كل المبررات للآخرين كي يتفردوا بالمسيحيين في هذا الشرق العربي. 
وعلى الرغم من تأخر التشكيل الحكومي، يرى بعض المتفائلين اﻷمر طبيعياً أو شبه طبيعي، خصوصاً عندما تُسترجَع المدد التي قضاها الرئيسان نجيب ميقاتي وتمام سلام في تشكيل حكومتيهما في السنوات اﻷخيرة.
ويرى بعض المراقبين أن «الحرب» الناشبة بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية تجعل الساحة المسيحية اللبنانية وكأنها تستعيد حالة المواجهة العسكرية التي كانت قائمة خلال عامي 1989و1990، لكنها الآن في اطار سياسي ونيابي ووزاري. وهذه مقارنة تستفيق في أذهان اللبنانيين لدى البدء في كل جولة من جوﻻت التصعيد السياسي والإعلامي بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية.
 وﻻ يعني كل ذلك أن هذه العقدة المسيحية هي العقدة الوحيدة التي تعترض طريق تشكيل الحكومة الثالثة للرئيس سعد الحريري، فهناك كما هو معلوم العقدة الدرزية الحامية نسبياً، ومن ثم عقدة النواب السنّة الذين يغردون خارج سرب تيار المستقبل. وفي كل عقدة من هاتين العقدتين ما يكفي من المتاعب والإرهاق السياسي الذي يتطلب وقتاً إضافياً للمعالجة المطلوبة. وما زال الهدوء يخيم على طريقة ادارة الرئيس سعد الحريري للمعضلة الحكومية الحالية، وهو لم يظهر عليه اﻻنفعال إﻻ في إطار الرد على النائب الجديد جميل السيد بالقول: «روح بلط البحر»، وذلك في اطار التلويح بسحب التكليف من الحريري.
وكان الرئيس ميشال عون يعتقد أنه سيمتلك في عهده القوي ميزة الإسراع في تشكيل الحكومات، ولكن ما هو قائم في الواقع السياسي اللبناني يعاكس هذه الرغبة حيث التعقيدات السياسية والطائفية والمذهبية أكبر من أي تطلع سياسي مشروع»، خصوصاً عندما يكون الجميع مشاركاً في استيلاد التعقيدات المنتصبة في وجه تشكيل الحكومات أو في مواجهة حل أي من اﻷزمات السياسية أو اﻻقتصادية أو اﻻنمائية أو الحياتية الداهمة. حينها يصبح الجميع خارج دائرة البراءة مهما صفت النيات وحسنت الظنون.