أيمن حجازي

إن الغوص في مجريات اﻷمور اﻻنتخابية في لبنان يفضي الى استنتاج أن تحالفات المصلحة اﻻنتخابية قد طغت على التحالفات السياسية العريقة التي تجاوز بعضها عقداً من الزمن، ما أدى الى تشكل لوائح انتخابية محكومة بصناديق اﻻقتراع وحسابات اﻷرقام المؤدية الى اكتساب المقاعد النيابية أو عدم ضياعها. وخرج بعض المحللين السياسيين بخلاصة تقول باضمحلال العنصر السياسي في محلول اﻻنتخابات اللبنانية المفترض اجراؤها في السادس من أيار المقبل.
إﻻ أن التدقيق في المشهد اﻻنتخابي الشامل قد يقود الى استنتاجات مختلفة على مستوى ضبط اﻻيقاع اﻻنتخابي عند حدود معينة جرى التفاهم عليها بين علية القوم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وهذا ما يمكن التثبت منه اثر تفحص واقع بعض الدوائر اﻻنتخابية الهامة في البلد... ففي بيروت -على سبيل المثال- توجد دائرتان أولاهما دائرة يتحالف فيها التيار الوطني الحر مع تيار المستقبل، وفي الثانية يتواجه فيها الطرفان بمحبة ووئام بلا تصعيد كلامي وإعلامي كبير، حيث يمكن أن يسجل أن التيار الوطني الحر قد نسج في الدائرة الثانية من بيروت تحالفاً ضم الثنائي الشيعي (حركة أمل و«حزب الله») وجمعية المشاريع وآخرين، ما يدفع البعض الى اﻻعتقاد أن القضية تنطوي على تسليم للمقعدين الشيعيين في بيروت الى «أصحابهما» ضمن اطار التنافس اﻻنتخابي البعيد عن تحالف اﻷضداد ( تيار المستقبل - «حزب الله»)، وهو التحالف الذي يجهد تيار المستقبل الى التنصل منه ومن تبعاته من جراء اﻻحراج اللاحق به من الصقور الذي على يمين هذا التيار ممثلين بأشرف ريفي وفؤاد السنيورة. وﻻ يغيب عن البال أن التسليم الضمني لحركة أمل و«حزب الله» بالمقعدين الشيعيين في بيروت يقابله أحاديث إعلامية صادرة عن وجوه إعلامية مقربة من «حزب الله» تقر بخرق يمكن أن يحصل لمقعد نيابي سنّي أو اثنين في دائرة بعلبك - الهرمل. وإذا كانت الرياح اﻻنتخابية قد فرقت بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر في دائرة صيدا - جزين، على سبيل المثال، فإن هذه الرياح نفسها قد جمعت بينهما في دائرة الكورة - البترون - بشري - زغرتا حيث المواجهة مع تيار المردة وحزب القوات اللبنانية غير المتحالفين. 
ان هذه التحالفات واﻻفتراقات ليست بلا معانٍ سياسية، بل انها تفيض وتنضح سياسة وحسابات سياسية صرفة. ومن أهمها: 
- أن التفاهم بين التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل على إنهاء الشغور الرئاسي في خريف عام 2016 ما زالت مفاعيله قائمة حتى هذه الساعة، وهو قابل للحياة الى ما بعد اﻻنتخابات النيابية. وهو لا يزال تفاهماً على تقاسم السلطة متيناً وراسخاً رغم اﻷنواء اﻻقليمية المزدحمة.
- أن تفاهم معراب بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية هو في طور التلاشي، وأن ما تشهده الساحة المسيحية في خضم اﻻنتخابات وما بعدها ﻻ يعدو كونه إحياءً لخطوط التماس الملتهبة.
- أن النائب وليد جنبلاط، وإن حافظ على ماضيه اﻵذاري من خلال تحالفه مع تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية في دائرة الشوف - عاليه وفي دوائر أخرى، لم يغادر موقعه «الوسطي» المنفتح على «حزب الله» والمتلاحم سياسياً مع الرئيس نبيه بري.
- أن اﻷجواء الدولية والإقليمية الراعية للوضع اللبناني ما زالت تحرص على استمرار ما يسميه الحريريون استقراراً وينسبونه بنسبة مئوية عالية إلى أنفسهم. 
فإذا كانت هذه الحقائق السياسية قائمة، فلا ضير إن جرت اﻻنتخابات النيابية وفق تحالفات سياسية قديمة أو قامت على أساس مصلحي حسابي رقمي مجفف. وﻻ بأس من تعديل جزئي في موازين القوى واختفاء ﻷسماء وظهور ﻷسماء أخرى، فتلك تفاصيل ﻻ تفسد في ود اﻻنتخابات قضية.