العدد 1400 / 12-2-2020

رحلة حكومة حسان دياب الشاقة بلغت مشارف الثقة التي منحها إياها المجلس النيابي بأكثرية ثلاثةوستين صوتا عداً ونقداً ، حصلت عليهم تلك الحكومة من جعبة قوى معسكر الثامن من أذار . في الوقت الذي اعتمدت فيه قوى الرابع عشر من أذار موقفا معارضا من داخل المؤسسة الدستورية البرلمانية . فعمدت قوى تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي الى المشاركة الجزئية في جلسة الثقة ، دون أن تمنح هذه الثقة للحكومة التي تطلق عليها تسمية حكومة اللون الواحد . وهذا ما أعطى إشارة إنطلاق لولادة معارضة برلمانية تختلف عن شكل الحراك الشعبي القائم منذ السابع عشر من تشرين الأول الماضي ولكنها تتكامل معه في مسار المواجهة الكبير ضد قوى الثامن من أذار .

لقد عاش الرئيس نبيه بري وحلفاؤه السياسيين المشاركان في الحكومة الحالية من خلال مجموعة إختصاصيين ، تحديا كبيرا من خلال إنعقاد جلسة الثقة التي تم تهديدها من خلال الشارع الغاضب الذي تحرك " أبطاله " باتجاه تعطيل تلك الجلسة . إلا أن الرئيس بري والتيار الوطني الحر ألقيا بمسؤولية ضمان أمن الجلسة على قائد الجيش الذي تحمل هذه المسؤولية وأنجز المهمة بأقل قدر ممكن من الخسائر المادية والمعنوية .

وبقيت حسابات الأطراف السياسية هي الأساس في ولادة المواقف التي قادت الجميع نحو تمرير إستحقاق الثقة المشار اليه . وامت كانت قوى الرابع عشر من أذار غير قادرة على مجاراة الموقف " الثوري " للحراك الشعبي وبعد أن عاشت هذه القوى ردحا كبيرا من الزمن وهي من أهل السلطة ومن أساس البنية الصلبة للنظام القائم . فالحزب التقدمي الإشتراكي مشارك في الحكومات من خمسينات القرن الماضي ، وحزب القوات اللبنانية ولد من رحم حزب الكتائب الذي يعتبر مدافعا تاريخيا عن نظام ما قبل الطائف ومشاركا ضعيفا ومترددا في حكومات ما بعد الطائف . وليس في إمكان حزب القوات وبنيته الأيديولوجية والثقافية تجاوز هذه العلاقة الرحمية الراسخة . أما تيار المستقبل فإنه كيان سياسي وجد في بعديه الإقليمي والمحلي كي ينتج شخصيات حاكمة ومغطاة بغطاء دولي وإقليمي . وهذا ما يجعل هذه القوى أسيرة تاريخها السلطوي المتجذر ويحول دون مزيد من الإنغماس في شعارات ثورية يسارية مستعارة ومفيدة لفترة من الزمن . وقد ذهب بعض الإعلاميين اللبنانيين الى القول بأن موقف قوى الرابع عشر من أذار الذي ساهم في تأمين نصاب جلسة الثقة ، يعكس موقفا أميركيا مهادنا لحكومة حسان دياب التي يمتلك عدد لا بأس به من أعضائها الجنسية الأميريكية وهذا ما يفترض أن يكون مدعاة لإرتياح أميريكي متوفر.

أين الأزمة المالية والإقتصادية والإجتماعية التي يترنح تحت وطأتها الوطن اللبناني ؟ أين معضلة المصارف وودائع اللبنانيين الضائعة من كل هذه الضوضاء السياسية الضاغطة ؟

لا يبدو أن هذه المعضلة قابلة للحل في القريب العاجل ، فهي مشكلة ولدت بفعل ضغط أميركي ممنهج وبفعل جشع محلي متوحش وغبي في آن واحد . وهيهات هيهات أن نخرج من نفق هذه المعضلة اللئيمة التي باتت تقض مضاجع فقراء الوطن . كما أنها تقض مضاجع عتاة أغنيائه ولصوصه الكبار لأنهم في المستقبل القريب لن يكونوا قادرين على الإستمرار بنهب أموال الفقراء كما كان دأبهم المتواصل طيلة المئة عام السابقة من تاريخ لبنان الكبير .

ايمن حجازي