العدد 1334 / 24-10-2018
أيمن حجازي

ينطوي الكيان السياسي اللبناني الواحد على كيانات طائفية ومذهبية شتى ، حيث تتشكل داخل هذه الكيانات مرجعيات دينية وسياسية واقتصادية متنوعة لتنسج علاقات متفاوتة فيما بينها وتقيم توازنات داخلية متنوعة . وتبدو أهم هذه العلاقات والتوازنات هي تلك التي تربط ما بين المرجعيات الدينية والسياسية داخل كل كيان طائفي . حيث يمكن أن يؤدي واقع الحال الى طغيان احدى هذه المرجعيات على الأخرى ، أو أن تنشأ حالة تكافؤ وتعادل بينها ، أو حالة تعايش وتآلف وانسجام ، ونادرا ما نشهد حالة تنازع أو تجاذب أو صراع . ويمكن لنا أن ندرس هذا الموضوع دراسة معمقة داخل كل طائفة من الطوائف اللبنانية بهدوء وروية واتزان .

ولكننا في هذه العجالة نلاحظ أن الساحة الاسلامية تشهد تناغما بين المرجعيات الدينية والسياسية مميزا في شقها السني ، خصوصا في المرحلة الحريرية . ولم يخرق هذا التناغم المشار اليه الا في نهاية عهد المفتي السابق الشيخ محمد رشيد قباني الذي اختلف مع الرئيس فؤاد السنيورة ما أدى الى الاطاحة به والاتيان بالشيخ عبد اللطيف دريان الذي أعاد التناغم مع الزعامة الحريرية الى سابق عهده .

أما في الساحة الشيعية فان حركة أمل "وحزب الله" كمرجعية سياسية مزدوجة باتا منذ ٢٠٠٥

على تناغم كامل مع المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الذي كان يميل الى جانب حركة أمل في كل الفترات السابقة .ويأتي هذا التناغم من ضمن منظومة اقليمية يزيد من تماسكها طهران كمرجعية أيديولية لحزب الله ودمشق كمرجعية مؤثرة على حركة أمل .

أما في الجانب الدرزي فان الزعامة الجنبلاطية الكاسحة بين دروز لبنان تمد ظلها الوارف على المرجعية الدينية الممثلة بمشيخة عقل الطائفة الدرزية . وتفسح في المجال للزعامة الارسلانية التي تحتل هامشا سياسيا درزيا أن ترسم بقدر قوتها مشيخة درزية ثانية تحفظ لقصر خلدة حضوره الديني المعترف بتاريخيته من قبل الجميع . وتظهر بين المرجعيتين شخصيات مرجعية هامة تحظى على احترام الزعامة السياسية الدرزية لما تمثله من حضور شعبي واسع ومن مشروعية دينية حاسمة من أمثال الشيخ أبو حسن عارف حلاوي وآخرين ممن يحظون على احترام الجميع في الساحة الدرزية .

مسيحيا ، ومارونيا تتميز العلاقة بين المرجعيتين السياسية والدينية بحيوية فائقة وهي تنقلت بين مد وجزر . وكان للمرجعية الدينية المارونية دورا تأسيسيا في تاريخ لبنان وتحديدا في اعلان دولة لبنان الكبير ... وقد تعاظم دور بكركي في تسعينات القرن الماضي بغية ملأ الفراغ السياسي القائم بفعل النفي الطوعي والاختياري أو السجن الذي تعرض له بعض الزعماء المسيحيين في مرحلة الامساك السوري بالوضع اللبناني . وقد مثل البطريرك نصر الله صفير رمزا بارزا في تلك المرحلة . ولكن عودة الزعماء المسيحيين الى مواقعهم بعد عام ٢٠٠٥ أدى الى وضع حد للتضخم الذي تعرض له دور بكركي كمرجعية دينية مسيحية ... وذلك الى أن انتخب الرئيس ميشال عون رئيسا للجمهورية في خريف عام ٢٠١٦ ما شكل ايذانا بمزيد من التراجع في دور بكركي السياسي بفعل القوة السياسية والنيابية والشعبية التي حملها معه الرئيس عون الى سدة الرئاسة الأولى . وهذا ماجعل الغلبة في هذه المرحلة للمرجعية السياسية المسيحية على المرجعية الدينية التي تتمتع بعلاقات دولية متينة تضاهي العلاقات التي تتمتع بها المرجعيات المسيحية السياسية . وقد ولدت من جراء ذلك معادلة يتقدم فيها السياسي على الديني أو السياسي على الطائفي كما هو الحال لدى الطوائف الاسلامية الشقيقة ... ما يشكل عاملا وطنيا توحيديا تتواءم فيه الطوائف والمذاهب كافة في الوطن اللبناني الحبيب.

ايمن حجازي