العدد 1329 / 20-9-2018
أيمن حجازي

ايمن حجازي

اﻻحتدام اﻻعلامي والسياسي بين التيار الوطني الحر والحزب التقدمي اﻻشتراكي بلغ ذروة شاهقة من ذرى التوتر التي ﻻمست الخطوط الحمراء الدرزية , المارونية اللبنانية , وتحديدا في جبل لبنان . هذا الجبل الذي يضم في جنباته الطبيعية الخلابة القسم اﻷكبر من المكونين الطائفيين للدروز والموارنة في لبنان ، وهو الجغرافية التي شهدت وقائع حروب أهلية شتى في القرون الثﻻثة الماضية منذ أيام المعنيين والشهابيين , مرورا بفتنة 1860 وانتهاء بحرب الجبل التي انفجرت في أيلول من عام 1983 من القرن الماضي . والتي كان فيها الزعيم وليد جنبلاط رأس الحربة الدرزية التي واجهت رؤوس الحراب المارونية التي مثل احدها قائد جبهة سوق الغرب آنذاك العميد ميشال عون قبل أن يرفع الى رتبة عماد ويعين قائداﹰ للجيش اللبناني بعد تسوية جنيف ولوزان في بدايات عام 1984 .

واليوم , وبعد أكثر من 35 عاماﹰ , ينكشف المشهد السياسي عن مواجهة حامية الوطيس بين الزعيم وليد جنبلاط الذي يمثل رأس حربة سياسية في مواجهة التيار الوطني الحر و رمزه الرئيس ميشال عون أو الوزير جبران باسيل . ومما يؤسف له أن هذه المواجهة يراد لها أن تتخذ طابعاﹰ طائفياﹰ محتدماﹰ بين الدروز والمسيحيين عموما والموارنة خصوصا . وكانت أجواء هذا اﻻحتدام تنطوي على مقوﻻت يطلقها طرفي المواجهة ، من مثل أن وليد جنبلاط الذي تراجع عدد أعضاء كتلته النيابية من 13 نائبا الى تسعة نواب يريد أن يستحوذ على ثﻻثة وزراء في حين أن حصته الوزارية كانت مقعدين وزاريين عندما كانت كتلته أكبر من ذلك . فيقوم الجانب اﻵخر بالرد عبر ابراز التقدم الذي حققته زعامة وليد جنبلاط في اﻻنتخابات النيابية اﻷخيرة من خلال السيطرة على سبعة مقاعد نيابية من أصل ثمانية مقاعد هم عدد النواب الدروز في البرلمان اللبناني . وبأن المقعد النيابي الدرزي الثامن قد ترك افساحا في المجال لتمثيل الزعامة اﻻرسﻻنية ليس اﻻ . ومناط الخﻻف هنا مع التيار الوطني الحر هو العبث بالساحة الدرزية واﻻعتداء على حرية خياراتها عبر افتعال أﻻعيب سياسية أدت الى إعارة اﻷمير طلال ارسلان ثلاثة نواب مسيحيين لتشكيل كتلة نيابية بالونية تسمح له بالمطالبة بالمقعد الدرزي الثالث . ويضيف المعسكر الجنبلاطي في سياق عرضه "للعدوان "الذي يشنه التيار الوطني الحر على القوة السياسية الدرزية اﻷكبر في لبنان ، بأن " الكتلة النيابية المصطنعة "التي يترأسها المير طلال يمكن لها أن تتمثل بوزير مسيحي ليس اﻻ تبعاﹰ ﻷكثرية أعضائها ...

لقد هاجت هذه الأجواء الساخنة في جبل لبنان خلال الفترة التي تلت اﻻنتخابات النيابية اﻷخيرة وتصاعدت في اﻷسابيع اﻷخيرة على وقع الخلاف على تشكيل الحكومة الموعودة . وتشير اﻻوساط الموالية للزعيم جنبلاط الى أناﻷجواء التي سادت في العام المنصرم كانت محتدمة أيضا بفعل شعور درزي كامن بأن القانون اﻻنتخابي يهدف الى التأثير على الخيارات اﻻنتخابية الدرزية من خلال حجم الدوائر اﻻنتخابية ومن خلال النسبية التي رفع رايتها أنصار القانون اﻻنتخابي الجديد الذي أقر في حزيران من العام الماضي . وقد شعرت شريحة درزية كبيرة أن وليد جنبﻻط بالكاد قد فرض واقع قيام دائرة انتخابية تضم عالية والشوف كي يتمكن من انقاذ ما يمكن انقاذه في مواجهة القانون اﻻنتخابي الجديد وأفخاخه المتنوعة . وهذا ما يؤكد أن اﻻحتدام الطائفي والمذهبي في جبل لبنان ذي الطابع الدرزي - الماروني ، ليس ابن ساعة الخلاف على تشكيل الحكومة الحالية وموازين القوى فيها والحصص المفترض الحصول عليها من قبل اﻷطراف السياسية الفاعلة . وهذا ما يضفي خطورة بينة على الواقع الوطني اللبناني ، ويلقي بظلاله الثقيلة على مجمل المشهد اللبناني وعلى عقول كافة المعنيين بحل المعضلة الحكومية الحالية المستعصية . من هنا جاء ادراك بعض من يعنيهم اﻷمر أن هذا اﻻحتدام السياسي ذي الطابع الطائفي خطير بأبعاده المختلفة وهو يذكر بأجواء الحروب السابقة ولكن في قالب سياسي مضبوط . وبناء عليه جاءت الدعوة الجنبلاطية التي تجاوب معها التيار الوطني الحر للتهدئة اﻻعلامية والسياسية بين الجانبين في وسائل اﻻعلام وفي وسائل التواصل اﻻجتماعي .

ولعلنا على ضوء ما تقدم ندرك عقدة العقد التي تؤجل الوﻻدة الحكومية حتى اشعار آخر ، و تفتح الباب واسعا أمام القول بأن هذه العقدة ضاربة في التاريخ وهي في أساس تكوين لبنان الوطن والكيان السياسي...