أيمن حجازي

كانت دائرة صيدا اﻻنتخابية في برلمان الـ99 نائباً هي أصغر الدوائر اﻻنتخابية التي كانت تتمثل بنائب واحد. وفي مجلس الـ128 نائباً الذي اعتمد بموجب دستور الطائف باتت تتمثل بنائبين ولكنها غرقت في بحر المحافظة التي اعتمدت كدائرة انتخابية في انتخابات أعوام 1992 و 1996 و 2000 و2005. أما في انتخابات عام 2009 ومع العودة الى قانون الستين الذي يتخذ القضاء دائرة انتخابية فقد تساوت صيدا مع دائرتي البترون والضنية في كونها دوائر يمثلها نائبان اثنان لكل منها. وتكمن معضلة دائرة صيدا تاريخياً في فصلها عن باقي أجزاء قضائها الذي يشمل دائرة الزهراني، وكانت تتمثل بنائبين في مجلس الـ99 وباتت تتمثل بثلاثة نواب في مجلس 128. 
 وفي رحاب القانون اﻻنتخابي الجديد الذي أقر في منتصف العام الماضي، وبدﻻً من ضم صيدا وقضائها، عمد ذلك القانون الى اصطناع دائرة صيدا - جزين التي تتمثل بخمسة نواب يتوزعون طائفياً على الشكل اﻵتي:
- نائبان سنيان عن صيدا - نائبان مارونيان عن جزين - نائب كاثوليكي عن جزين أيضاً.
ويتضح من خلال قراءة الدوافع التي أدت الى وﻻدة هذه الدائرة أن:
 - الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر يتجنبان اﻻنخراط في دائرة انتخابية تخضع ﻷكثرية ناخبة يمسك بجزء كبير منها الرئيس نبيه بري، وهو ما كان يمكن أن يحصل في دائرة انتخابية مفترضة تضم جزين وصيدا والزهراني.
- الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل يتشاركان الرغبة في عدم الخضوع لدائرة انتخابية يمسك بها الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله.
قد يصح القول إن دائرة صيدا - جزين هي دائرة فك اﻻشتباك بين عون وبري والحريري في دوافع تكوينها، ولكن التدقيق التالي يوحي بأن فك اﻻشتباك المراد هنا لم يتحقق بشكل كامل بفعل الوقائع القائمة حالياً، حيث كشفت اﻷسابيع اﻷخيرة عن حركة فاعلة للرئيس نبيه بري وحركة أمل على هذا الصعيد، وذلك من خلال نسج خيوط تحالف بين المرشح إبراهيم عازار والنائب السابق أسامة سعد برعاية من أمل والرئيس بري، ما يهدد ﻻئحة التحالف المفترض بين تيار المستقبل والتيار الوطني الوطني باختراقين مهمين لمقعد نيابي في جزين ولمقعد آخر في صيدا. وهذا ما يجعل المواجهة اﻻنتخابية بين الرئيسين عون وبري في هذه الدائرة على أشدها، خصوصاً إذا علمنا أن «حزب الله» يعتبر نفسه ملزماً بتأييد أسامة سعد، ما قد يحرجه أمام التيار الوطني الحر. 
 ولكن أين لغة اﻷرقام في ترجمة هذه الوقائع السياسية واﻻنتخابية؟ 
 تضم دائرة صيدا - جزين نحو 120 ألف ناخب يتوزعون طائفياً على الشكل اﻵتي: 
- 52343 ناخباً سنياً - 48329 ناخباً مسيحياً - 19085 ناخباً شيعياً - 616 ناخباً درزياً.
ويعني هذا الواقع أن الرئيس بري سيتحرك في هذه الدائرة من خلال كتلة انتخابية شيعية تبلغ سدس عدد الناخبين، يضاف إليها رصيد المرشح إبراهيم عازار في جزين ورصيد النائب السابق أسامة سعد في صيدا، ما يخوله وفق النظام النسبي والصوت التفضيلي امتلاك قدرة اختراق للائحة الأولى المفترض تشكيلها بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر والتي لم يعلن بصددها شيء حتى اﻵن من قبل أي من الفريقين. 
 في المحصلة السياسية تبدو الحقائق تنبئ بأن ما يطفو على السطح من توتر وصراع بين الرئاستين اﻷولى والثانية ليس إﻻ رأس جبل الجليد الذي يضرب في اﻷعماق عميقاً.