العدد 1350 / 20-2-2019
أيمن حجازي

تضافرت أصوات الداعمين لوزيرة الداخلية ريا الحسن في الدعوة الى إقرار الزواج المدني الإختياري في لبنان ، وعملت على إسباغ صفات الشجاعة والمرؤة والأريحية على موقفها هذا . وذلك في مواجهة المرجعيات الدينية المتهمة الإستبداد ومعاداة الجماهير. وبرز من خلف الدعوة التي أطلقتها الحسن تشجيع واضح من الرئيس سعد الحريري الذي سعت أوساطه الى التخفيف من الأصداء السلبية لهذا التشجيع في الأوساط الشعبية الإسلامية والمسيحية المعارضة للزواج المدني . وقد اعتمدت هذه الأوساط على التركيز على أهمية الحوار من أجل تمرير هذا المشروع الشائك في ساحة طائفية ودينية مزدحمة كالساحة اللبنانية .

وقد كان واضحا أن إصرار مجموعات من النخب اللبنانية المستهلكة إعلاميا وثقافيا على تبني هذا الموضوع في كل حقبة من حقبات التاريخ اللبناني الحديث ، يتم في ظل عزلة شعبية لهذه المجموعات التي تسخى في إسباغ هذه الصفات الإيجابية على هذا الوزير وتلك الوزيرة ... التي تسعى جاهدة أيضا على توريط الرئيس سعد الدين رفيق الحريري بكل ما يؤدي الى إضعافه في الشارع ، وبكل ما يشجعه على مسايرة رغبات أيديولوجية لجهات غربية ترى من مهامها الكبرى أن تتدخل في حياة أبناء هذه المنطقة الإجتماعية والثقافية والفكرية . لأنها تدرك معطيات كبرى تؤثر فيها هذه الأوضاع الثقافية على مصالح الدول المستعمرة وتحول دون تنفيذ مطامعها المتعددة والمتنوعة , فضلا عن إحداث خضات واضطرابات خلافية في مجتمعاتنا تكون كفيلة بتمرير العديد من المشاريع السياسية والأمنية المعادية التي تتعلق في معظمها بالكيان الصهيوني . قد يقال hن في هذه الرؤية تخيلات واسعة ، ولكنها الحقيقة أن الأمريكان يبذلون قصارى جهدهم بالتعاون مع الأوروبيين على فرض أمور اجتماعية وسياسية وأمنية تحت عناوين حقوق المرأة وحقوق الانسان والديموقراطية ... وذلك إستغلالا منهم للأوضاع المزرية في عالمنا العربي والإسلامي للمرأة وللرجل على حد سواء , وهي أوضاع تضيع فيها حقوق الأمة والمجتمع بكل أفراده وذكوره وإناثه وشيوخه وكهوله ومراهقيه .

لاشك في أن دوائر غربية سياسية وأمنية متورطة بالعبث في أوضاعنا من خلال إثارة العديد من القضايا الإشكالية والخلافية كالزواج المدني وغيره . ولكن في الوقت نفسه قد تبرز حاجات محلية موازية للقادة والساسة ولزعماء الطوائف لإلهاء البلد والمجتمع والناس بما يصرفها عن تحسس آلامها الحياتية المزمنة في الكهرباء والنفايات والمياه والطرقات وفي سلامة البنى التحتية . وقد تنقذ هذه القضية البعض من أوضاعهم السياسية الصعبة أو من معضلاتهم الطارئة , وقد تحسن أوضاعهم الجماهرية ان هم لجأوا الى معارضة الزواج المدني مسايرة لمواقف الجماهير المحتشدة . إلا أن بعض المراقبين يرى أن ترشيح ريا الحسن لتولى مهام وزارة الداخلية ، كان مخصصا لإيكال مهمة مشروع الزواج المدني لها وأنها كامرأة ستكون أقدر من الرجال على تمرير مشروع كهذا المشروع , وهذا ما يمكن أن يكون قد حصل لدى بعض الجهات الغربية التي تدأب على التدخل بالشأن اللبناني بطريقة انتهازية طاغية .

قد يقال أيهما الأصح : أن يكون الزواج المدني مشروعا جديا مدعوما من جهات خارجية ، أم أن يكون مشروعا محليا للإلهاء السياسي والشعبي فقط ؟

قد يكون كلا الأمرين صحيح وحاضر وقائم ... وقد يكون في حسابات الوزيرة ومرجعيتها السياسية أن تحاول تمرير هذا المشروع , فان أفلحت كان لهما شرف الإنجاز أمام الجهاتالضامنة لمشاريع الزواج المدني . وان هي أخفقت فاءنها تكون هي ومرجعيتها قد أدت قسطها للعلى ورفعت عنها الحرج أمام الأصدقاء في النوادي الدولية الفسيحة التي تنتشر في بلادنا كالفطر السام والتي لا تترك مناسبة لإستفزاز الجهات الدينية المختلفة ... الكنسية والإسلامية على حد سواء . وبناء عليه فان الموقف الرافض للزواج المدني والذي يجمع المرجعيات الإسلامية والمسيحية في موقف واحد هو موقف من مواقف الوحدة الوطنية النبيلة ، وكل ما عداه من مواقف الأقليات النخبوية الشاذة هي مواقف تقسيمية متهالكة تتستر تحت عناوين كاذبة ومنافقة .

ايمن حجازي