العدد 1356 / 3-4-2019
أيمن حجازي

هل باتت عندنا حكومة برؤوس متعددة ؟ سؤال يطرح نفسه بعد السطوة التي بات يمتلكها تحديدا وزير الخارجية اللبنانية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل , وهي سطوة تمتد في مفاعيلها لتشمل كل الشأن الحكومي المتعدد الجوانب والمساحات . وهي ناتجة عن الحجم النيابي الذي احتله التيار الوطني الحر في انتخابات العام الماضي النيابية ، وعن الغطاء الرئاسي الذي يلجأ اليه هذا التيار من جراء وجود العماد ميشال عون في سدة الرئاسة الأولى . كما أن أطرافا أخرى تشكل رؤوسا إضافية في بنية الحكومة مثل الوزير علي حسن خليل الممثل الرئيسي لحركة أمل في الحكومة الحالية الذي يمارس دوره الفاعل بتهذيب معقول ، ولا ننسى حزب القوات اللبنانية ونائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني الهادىء بامتياز ما يجعله بعيدا عن اي استفزاز مفترض لرئيس الحكومة في أي موقف من المواقف ... غير ان حاصباني وحزبه القواتي يستفز التيار الوطني الحر الذي يرى نفسه مستهدفا من قبل حزب "القوات" على الدوام .

حيال مقولة تعدد الرؤوس (إن صحت) ، لا يبدو الرئيس سعد الحريري مستعدا للإقرار بصحتها ، وهو يفسر سطوة الوزير باسيل بأنها حالة من حالات "الفيضان الإعلامي" التي يتم إغراق الوزير جبران بأمواجه ما يجعله دائما تحت الأضواء . ولكن القضية في المضمون تخضع وفق أوساط الرئيس الحريري الى إستمرار التفاهم والتفهم السياسي القائم بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر . وهما تفاهم وتفهم يذللان كافة العقبات التي تعترض الشراكة الضمنية بين الطرفين . كما أن هذه الحالة التفاهمية التي ولدت في خريف ٢٠١٦ وسميت بالتسوية الرئاسية ، ما زالت قادرة على معالجة كافة التوترات التي تولد في المسيرة الحكومية القائمة والتي تتخذ في كثير من الأحيان شكل التوتر الإعلامي بين تلفزيون الأو تي في وتلفزيون المستقبل مثلما حصل خلال عاصفة الهجوم على الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة قبل بضعة أسابيع , وحين أكد التيارين ( المستقبل والوطني الحر ) أنهما على المستوى السياسي غير معنيين بالتوتر الإعلامي الحاصل بين التلفزيونين!!!

... لكن الرؤوس المتعددة واقع لا يقر به الرئيس سعد الحريري ، ويدينه ويستنكره نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي يضم الرؤساء تمام سلام ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة , الذين يجتاحهم القلق على موقع الرئاسة الثالثة ، وعلى صلاحيات رئيس الحكومة التي عززها إتفاق الطائف وتوغل العهد الحالي برئاسة العماد ميشال عون في المساس بها وفق رؤية هذا النادي المشار اليه . والجدير ذكره أن الرؤساء سلام وميقاتي والسنيورة يرصدون في السلوك السياسي للعهد الحالي ، رغبة واضحة لاستيلاد أعراف دستورية جديدة تسلب الرئاسة الثالثة بعضا من صلاحياتها وتعزز حالة الحكومة المتعددة الرؤوس المتخوف من استحداثها في بنية النظام السياسي اللبناني.

يقابل هذا التخوف مواقف للأطراف السياسية الأخرى المعنية والمستفيدة من وجود الرؤوس الموازية لرئيس الحكومة ، التى تؤكد على أن هذه الحكومة هي حكومة ائتلافية تضم قوى متعددة سياسيا وطائفيا ومذهبيا . وان الأمر الطبيعي في الحكومات الإئتلافية أن تتأثر القرارات والتوجهات الحكومية بميزان القوى القائم داخل هذه الحكومة والناتج عن ميزان القوى النيابي الذي يعكس الحالة الديموقراطية في البلد . إلا أن الثابت في هذا الموضوع أن الرئيس سعد الحريري لا يرفع عقيرته بأي إعتراض على الوضع الحالي وهو في الأساس لا يقر بمقولة الرؤوس المتعددة للحكومة الميمونة ويترك مهمة الذود والدفاع عن حياض الرئاسة الثالثة وما تمثل على نادي رؤساء الحكومات السابقين ومن تطوع للقيام بهذه المهمة الخيرية الجليلة . علما أن الحريري يرغب رغبة حاسمة في أن يتمكن من تبديد مقولة الرؤوس المتعددة بشكل عملي ... أي من خلال ممارسته لمهامه في رئاسة الحكومة دون الحاجة الى القيام بحملات سياسية أو بموجات استنفار مذهبي مرهقة للبلد وللحكومة ... وللإقتصاد الوطني ... ولسعر صرف الليرة اللبنانية ... وللبيئة ... وللسياحة ... وللتربية الوطنية ... وللطائفة المتضررة من تعدد الرؤوس الحكومية . فضلا عن البشاعة التي تنتاب أي جسم من الأجسام يخضع لرأسين أو أكثر في بنيته الجسدية .. أعاذنا الله من كل بشاعة معنوية أو مادية . ودمتم سالمين .

ايمن حجازي