العدد 1360 / 1-5-2019

خلال الأسبوع المنصرم ازدحمت التطورات المتعلقة بدراسة وإقرار موازنة عام ٢٠١٩ ، بعد أن وصل مشروع الموازنة الى مجلس الوزراء إبتداء من يوم الثلاثاء الماضي . كما وصل مع هذا المشروع التحرك الشعبي للمتقاعدين العسكريين الى ذروته حاملا معه مؤشرات سياسية تتجاوز موضوع الإضرار والمساس بحقوق أولئك المتقاعدين وصولا الى دور سياسي قادم قد يقوم به "حزب المتقاعدين العسكريين" غير المعلن في قابل الأيام . وقد إنكشف المشهد السياسي اللبناني عن إصرار من قبل التيار الوطني الحر على ممارسة دورين متناقضين ، وهما دور الحزب الحاكم ودور الحزب الشعبي المعارض الذي يكافح في سبيل الحفاظ على حقوق الطبقات المسحوقة والجماهير الغفورة .

ولم ينسى الوزير جبران باسيل أن يؤكد على طليعيته في انتزاع حقوق المناطق المسيحية عندما أكد ومن خارج صلاحياته المعهودة في وزارة الخارجية ، "أن لا موازنة ان لم تتضمن مشروع طريق القديسين ومرفأ جونية" على طريقة أن لا "حكومة " ان لم يكن هناك عودة للنازحين السوريين الى بلادهم " ...

لقد كشفت التحركات الأخيرة للعسكريين المتقاعدين ، عن وجود شريحة إجتماعية لبنانية مسيسة ومثقفة ومدعمة بالاستراتيجيا التي يتمتع بها جمع من العمداء المتقاعدين الذين شغل بعضهم شاشات الفضائيات التي تستعين بهم من حين لآخر . وقد تجاوز هؤلاء المعتصمون حدود الكلام عن حقوقهم المكتسبة الى مسائل سياسية أكبر تطال في بعضها سلطة "الحرامية" ، في إشارة هجومية على الطبقة السياسية اللبنانية الحاكمة حاليا . وقد بادر التيار الوطني الحر الى محاولة إستيعاب حراك العسكريين المتقاعدين المشار اليه ، ان لم يكن هذا التيار موجوداً في صلب نشوء هذا الحراك وفي تحديد آليات عمله . وقد ظهر هذا الأمر جليا من خلال إنضمام نواب من التيار الوطني الحر ذوي الأصول العسكرية الى ذلك الحراك المشار اليه ، مضافا الى قول وزير الدفاع الياس أبو صعب " أن الرئيس عون لن يسمح بالمساس بحقوق العسكريين المتقاعدين وهو المتقاعد الأول " . وكان يمكن لوزير الدفاع أن يقول هذا الكلام على طاولة مجلس الوزراء ، ولكنه اختار جرود عرسال كي يطلق هذا الموقف في خطوة اعتبرت وكأنها احتضان مباشر لحراك العسكريين المتقاعدين وذلك عندما كان برفقة قائد الجيش جوزيف عون في نفس اليوم الذي شرع فيه مجلس الوزراء بمناقشة مشروع موازنة ٢٠١٩ الميمونة .

ولا يخفى على أحد أن التيار الوطني الحر عمد من خلال كل ذلك الى إحراج حركة أمل ووزيرها المميز علي حسن خليل الذي يتبوأ وزارة المالية ممثلا الوجود السياسي للرئيس نبيه بري في الحكومة الحالية . وهو الذي أدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أن التمسك بوزارة المالية السيادية لتكون من حصته الوزارية له أثمان لا بد من دفعها ، وهي أثمان مضرة على المستوى الشعبي بشكل واضح .

هل يشكل حراك العسكريين المتقاعدين بداية لولادة تيار شعبي قادر على الاستمرار في خوض مواجهات سياسية قادمة ؟ وهل يحقق التيار الوطني الحر طموحه باعتماد هذا الحراك كحزب سياسي رديف له ؟ وهل تقدر القوى السياسية الأخرى استقطاب أجزاء من هذا الحراك والحؤول دون استئثار التيار الوطني الحر به ... خصوصا أن هؤلاء المتقاعدين يمثلون مختلف الطوائف اللبنانية ؟

ويبقى الصامت الأكبر في هذا الصخب المرتفع هو رئيس الحكومة سعد الحريري ، الذي اختار أن يحيّد نفسه وأن يتجنب المواجهات المؤذية التي تورث الخسائر المتتالية . وقد اكتفى الحريري حاليا بالوقوف خلف علي حسن خليل الذي باتالمدافع الأول عن مشروع موازنة ٢٠١٩ ، كما هو الوقوف خلف الوزير جبران باسيل الذي بات المدافع الأول والأخير عن خطة الكهرباء التي أقرتها الحكومة قبل حوالى الأسبوعين . وهذا ما قد يحقق فائدة أخرى تعصمه من الحاجة الى تنفيذ نصيحة الرئيس ميشال عون القاضية بالتوجه الى قصر بعبدا من أجل تعلم كيف تنجز الموازنة ، وهي النصيحة التي أطلقها الرئيس عون من بكركي قبل عشرة أيام ...

حراك العسكريين المتقاعدين هو حقيقة سياسية جديدة ، أم تحرك مطلبي عابر ؟ هذا ما ستكشفه المراحل المقبلة من الصراع السياسي اللبناني الدائم .

ايمن حجازي