أيمن حجازي

الشوف - عاليه، هي أكبر الدوائر الانتخابية اللبنانية وفق القانون الانتخابي الحالي الذي أقر قبل بضعة أشهر، وقد رسمت هذه الدائرة وحددت بالمساحة التي حددت بها لطمأنة الطائفة الدرزية الكريمة والزعامة الجنبلاطية التي كانت تناضل منذ «اتفاق الطائف» واعتماد المحافظة دائرة انتخابية كي لا يغرق دروز الجبل في البحر الماروني الممتد من المتن الى بعبدا فكسروان، حيث الأكثرية الناخبة مارونية ومسيحية بامتياز. حينها وضع جنبلاط كل رصيده الدمشقي الغابر من أجل الابقاء على اعتماد القضاء دائرة انتخابية في جبل لبنان. وقد ساعده في هذا المطلب أن مسيحيي زحلة لم يكونوا راغبين أيضاً في الغرق في البحر الشيعي والإسلامي الممتد من بعلبك والهرمل الى البقاع الغربي حيث الأكثرية الناخبة غير مسيحية ولا كاثوليكية، ما يهدد عاصمة الكثلكة في لبنان ممثلة بمدينة زحلة.
  وقد صاغ وليد جنبلاط لائحتيه الانتخابيتين في الشوف وعاليه منذ انتخابات عام 1992 حتى انتخابات عام 2000 دون مسايرة أي من القوى المسيحية المعارضة للوجود السوري في لبنان. ولجأ إلى اختيار شخصيات مسيحية مستقلة مع مراعاة الحيثية التي تمثلها الزعامة الارسلانية على الساحة الدرزية من خلال ترك المقعد الدرزي الثاني في عالية شاغراً كي يحتله الأمير طلال أرسلان. كما أن المقعد السنّي الثاني في الشوف ترك لزاهر الخطيب في انتخابات 1992 فقط. أما في مرحلة الانخراط في معسكر الرابع عشر من آذار فإن وليد جنبلاط فتح لائحتيه في الشوف وعاليه لحلفائه المسيحيين في هذا المعسكر، ما أدى الى استضافة نائب رئيس حزب القوات اللبنانية جورج عدوان في أحد المقاعد النيابية المارونية في الشوف، ونال رئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون مقعداً نيابياً آخر في نفس الدائرة. أما تيار المستقبل، فقد منح أحد المقعدين السنيّين في الشوف، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حزب الكتائب في عاليه الذي منح مقعداً مارونياً للنائب فادي الهبر. في هذا الوقت كان جنبلاط يدأب في أكثر من مناسبة على مغازلة الجماعة الإسلامية التي لم تسعَ من خلال حضورها الانتخابي في إقليم الخروب، الذي تأكد في أكثر من انتخابات بلدية، إلى مزاحمة الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل على المقعدين السنيين في الشوف، وذلك إقرار من سيد قصر المختارة بهذا الموقف الايجابي للجماعة الإسلامية.
والسؤال الأهم الآن في هذا المضمار يتمحور حول خيارات النائب جنبلاط في هذه الدائرة العملاقة وعن تحالفاته في ظل وجود هذا العدد الكبير من القوى السياسية المنتشرة في الشوف وعاليه... ولا ينبغي أن نشيح النظر عن حقيقة تحالفية ينال بموجبها الحزب التقدمي الاشتراكي المقعد النيابي الدرزي الوحيد في بيروت بدعم من تيار المستقبل الذي يحتله الآن النائب غازي العريضي، والمقعد النيابي الدرزي في البقاع الغربي الذي يحتله حالياً النائب وائل أبو فاعور.
لا ريب في أن النائب جنبلاط الذي سيمتنع عن الترشح في انتخابات أيار المقبل (إفساحاً في المجال لتيمور)، يمعن النظر في صياغتة لائحته الانتخابية في الشوف وعاليه، في ضوء المرحلة السياسية الحالية، ويرى أن هذه اللائحة ترزح تحت وطأة خريطة تحالفاته السياسية المتأرجحة، وتحت وطأة النسبية التي ان نفعته افتراضاً في بعبدا فإنها ستضره حتماً في مملكته المسماة دائرة الشوف- عاليه.
لن يترك وليد جنبلاط لنجله تيمور معضلة انتخابات العام المقبل، بل سيتابع صوغ مفرداتها وتفاصيلها لأنها ستكون أصعب الانتخابات التي تمر على الزعامة الجنبلاطية منذ ربع قرن من الزمن.