أيمن حجازي

ليس توزيعاً للأدوار ما يعيشه «تيار المستقبل»  هذه اﻷيام ويتمظهر بالتباينات الداخلية حيال اﻻنتخابات الرئاسية، وتحديداً حيال تبني ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية من عدمه. وقد ترجمت هذه التباينات على أنها ديموقراطية زائدة من قبل الرئيس سعد الحريري أفسحت في المجال أمام اتجاه بعض مراكز القوى داخل تيار المستقبل إلى اتخاذ مواقف خارج الموقف الموحد للتيار أو لكتلة التيار النيابية التي تعتبر أكبر كتلة موجودة في البرلمان اللبناني.
وباتت التشققات في جدار «تيار المستقبل» واضحة المعالم حيث يمتنع الجميع عن اخفائها ويحاولون تعليلها وتفسيرها... حيث يكمن أحدها في ظاهرة وزير العدل المستقيل أشرف ريفي الذي أثبت حضوره الفاعل في اﻻنتخابات البلدية في مدينة طرابلس في ربيع العام الحالي وهو يهدد باستكمال مسيرته اﻻنشقاقية من خلال التحضير لخوض اﻻنتخابات النيابية القادمة في حال حصولها. وتثار التساؤﻻت الكبرى حول العمق الذي يمتلكه الوزير ريفي داخل الإدارة السعودية الحالية، وحول جدية العلاقة التناغمية التي تربط ريفي ببهاء الحريري الشقيق اﻷكبر للرئيس سعد الحريري والمدى المستقبلي الذي يمكن ان تتخذه هذه العلاقة المفترضة.  ويبرز ثاني هذه التشققات من خلال حركة النواب المسيحيين اﻷعضاء في «كتلة المستقبل»، الذين فتحوا خطوطاً ايجابية مع «التيار الوطني الحر» والذين يبدون حماسة لتبني الرئيس الحريري ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وترد أسماء عدة في هذا المجال منها النواب باسم الشاب وسيرج طور سركسيان وهادي حبيش وميشال فرعون، الذين يخشى معظمهم من النتائج اﻻنتخابية السلبية في دوائرهم اﻻنتخابية في حال استمرارهم في مسايرة «تيار المستقبل» في رفضه لإيصال الجنرال عون إلى سدة الرئاسة اﻷولى. 
أما وزير الداخلية نهاد المشنوق فإنه وحده يمثل حالة خاصة في ايجاد أسباب موضوعية هامة للانحياز إلى ميشال عون في الرئاسة اللبنانية اﻷولى. وهو خيار ذو فلسفة مشنوقية مميزة يشعر المستمع لها بأن مصلحة لبنان ومصلحة الطائفة السنّية ومصلحة «تيار المستقبل» تكمن في انتخاب عون الذي يمثل عملية واقعية براغماتية صرفة وذلك في إطار مهارة وحذاقة يتميز بهما الوزير الحالي للداخلية والبلديات. وﻻ ننسى في إطار الحديث عن التشققات في جدران «تيار المستقبل» الإشارة إلى النائب خالد الضاهر الذي سبق الجميع في الانحياز إلى خيار الجنرال عون رئيساً للجمهورية على قاعدة أنه الجدير حقاً في التصدي ﻷي محاولة ﻻستعادة النفوذ السوري في لبنان.
حتى هذه الساعة لم تفلح كل هذه الحاﻻت المستقبلية الخارجة عن السياق العام الذي يلتزم خيار ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة اﻷولى، وبقيت اﻷمور في الغالب اﻷعم على ما هي عليه بفعل استمرار الموقف السعودي المتحفظ أو الرافض لترؤس ميشال عون للجمهورية اللبنانية. وانجلى الضباب والغبار عن حقيقة مفادها أن كل التفاؤل العوني الذي اصطنع في اﻷسابيع القليلة الماضية لم يكن إﻻ محاولة لتشجيع الرئيس الحريري على التمرد على القرار السعودي، أو التعامل مع موقف سعودي ديبلوماسي أعلن عدم ممانعة الحكم السعودي بوصول ميشال عون إلى قصر بعبدا فوجد البعض الفرصة سانحة ﻻستدراج الحريري إلى اﻻنخراط في دعم الجنرال عون... علّ وعسى. 
   لا يزال الشغور الرئاسي اللبناني يحتاج إلى توافق خارجي على اسم الرئيس وعلى قانون اﻻنتخاب وعلى السلة المشتركة وعلى العديد من القضايا والمعضلات اللبنانية المطروحة، ما يجعل البلد بآﻻمه وأوجاعه معلقاً على مشجب أزمات المنطقة الملتهبة والمحتدمة أكثر من أي وقت مضى.