بقلم: أيمن حجازي

باتت أخبار مولدات الكهرباء لدى المواطن اللبناني أهم من أخبار تشكيل الحكومة التي وضعت في الثلاجة من جراء التعثر في اﻻتفاق على حكومة ترضي اﻷطراف الرئيسية على الساحة السياسية اللبنانية. وهذا أمر يشير الى اﻻحباط الذي يعيشه المواطن اللبناني من امكانية استمرار الطبقة القيادية اللبنانية في تسوية خلافاتها وتهذيب صراعاتها وتشذيب أطماعها وطموحاتها المشروعة وغير المشروعة. وبات اﻻهتمام بالشؤون الحياتية الداهمة أكثر الحاحاً من أي تطور سياسي قائم أو قادم، خاصة عندما يجري دمج وادغام تلك القضايا الحياتية الداهمة مع الصراع السياسي الساخن مثلما هو حاصل بين التيار الوطني الحر وحركة أمل حول قضية بواخر الكهرباء وباﻷخص الباخرة التركية إسراء التي كان من المفترض أن ترسو في الزهراني.
كان مهندسو التسوية السياسية التي صيغت في خريف عام 2016 وأنهت الشغور الرئاسي يعتقدون أنها تسوية مرحلية ﻻ يعلم متى تموت أو تنتحر، وعلى الرغم من ذلك فإنها وفق بعض المطلعين كانت تحمل في طياتها بقاء الرئيس سعد الحريري في سدة الرئاسة الثالثة الى جانب الرئيس ميشال عون في سدة الرئاسة اﻷولى. لكن هذه التسوية كانت غير قادرة على تحديد طبيعة القانون اﻻنتخابي الذي سيولد ميزان القوى المفترض داخل أية حكومة يمكن أن تولد بعد إجراء اﻻنتخابات النيابية. وبناءً على ما تقدم، ﻻ يحق ﻷحد أن يتفاجأ بالعقم الحالي الذي يتحكم في التشكيل الحكومي، وقد بات الرئيس سعد الحريري يقاوم تكريس الاختلال في ميزان القوى بين أشلاء القوى الباقية من المعسكرين التقليديين الذين ولدا في عام 2005 (14 و8 آذار)، وهي أشلاء تتحد على الرغم من التباعد الذي أصابها، وذلك تحت وطأة التنكيل الذي يعتمده أشلاء المعسكر اﻵخر الذي انتصر في اﻻنتخابات النيابية وحاز اﻷكثرية النيابية بعدما أتقن صياغة القانون اﻻنتخابي النسبي التفضيلي المتعجرف. ونتحدث عن أشلاء الثامن من آذار بفعل الشرخ الكبير المصابة فيه علاقات حركة أمل بالتيار الوطني الحر.
وﻻ ينبغي أن نشيح النظر عن الوضع اﻻقليمي الذي يميل بوضوح الى مصلحة «حزب الله» وحليفه التيار الوطني الحر بعدما حسمت اﻷوضاع في سورية والعراق لمصلحة هذا الفريق وبات حلفاء الرابع عشر من آذار الإقليميين في حالة تراجع واضح. وهذا ما قد يوضح مدى حراجة ودقة موقف الرئيس سعد الحريري الذي يتمتع بغطاء سياسي دولي من القوى الغربية، وفي مقدمها فرنسا والوﻻيات المتحدة اﻷميركية اللتين ﻻتملكان أوراق ضغط كافية تمكن الحريري وتخوله فرض اراداته السياسية في موضوع تشكيل الحكومة العتيدة. وهذا ما دفع البعض من المنتمين السابقين الى معسكر الرابع عشر من آذار الى توصيف موقف الرئيس الحريري بأنه موقف بطولي حين يواجه قوى كبرى عملاقة بكافة المعايير السياسية والشعبية والإقليمية.
انها لعبة «عض اﻷصابع» التي تمارس اليوم على الساحة اللبنانية والتي تجري في ظل تدهور فاضح في الأوضاع اﻻقتصادية والحياتية المختلفة، حيث الجمهور اللبناني قد سبق الجميع في الصراخ واﻷنين، بعد أن وصلت مخالب اﻻزمة الى عنقه وبعد أن أستحالت زعاماته الكبرى المحمولة على اﻷكتاف عبئاً انتحارياً ثقيلاً ﻻ يقدر على نبذها وانزالها خشية تعرض كياناته الطائفية الضيقة لهجمات الكيانات الطائفية المضادة أو المحاذية... وتلك أزمة كبرى صنعها اﻻنسان اللبناني بيديه دون شك، وكرستها الزعامات نفسها التي نفتديها بالدم والروح والمهج.